كارل ماركس يعود في ألمانيا

كارل ماركس يعود في ألمانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأزمة المالية العالمية التي اندلعت العام الماضي، ومازالت مستمرة ولا يعلم أحد متى ستنتهي، لم يقتصر تأثيرها على النواحي الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية فقط بل امتدت آثارها وتداعياتها إلى مختلف مجالات الحياة في معظم دول العالم، وبدأ يظهر أثرها على النواحي الثقافية والفكرية والأيديولوجية أيضاً، ويمكن القول إن هذه الأزمة أحدثت صدمة فكرية.

فمنذ نحو عقدين من الزمان عندما انهار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي بدأت تسود الأفكار التي تنسب هذا الانهيار والتفكك إلى انتصار الأفكار الرأسمالية على الأفكار الاشتراكية، ودعمت هذه الأفكار مسيرة العولمة التي أطلقها الغرب لتحمل كل شعارات الرأسمالية الإيجابية منها والسلبية، والصحيحة منها والمشكوك في صحتها، والأسود منها والأبيض.

وكأن على العالم أن يقبل بالمنتصر بكل مزاياه وكل عيوبه، وبعد أن كانت الماركسية في زمن الحرب الباردة تحظى إلى حد ما باحترام وتقدير علمي حتى في بلدان المعسكر الرأسمالي باتت بعد الانهيار محل سخرية واستهزاء من الكثيرين وتخلى عنها حتى أنصارها وعلماؤها وفلاسفتها.

وتحول كارل ماركس إلى تماثيل وعرائس صغيرة تباع في شوارع بلدان المعسكر الاشتراكي السابق للزوار والسائحين، وبات الحديث عن النظرية الماركسية درباً من التخلف والرجعية الفكرية.

وأذكر أن كثيراً من الأصدقاء ورفاق العمل الذين كان كتاب «رأس المال» لكارل ماركس يتصدر مكتباتهم بجوار مؤلفات إنجلز ولينين قد انتزعوا هذه الكثبر من أماكنها وأخفوها، وربما ألقوا بها في سلة المهملات، رغم أنها بكل المقاييس تراث فكري بشري جدير بالاحترام.

نحن نرى الكثير من العيوب في الفكر الاشتراكي وفي النظرية الماركسية، ولا نرى أنها هي النموذج الأنسب للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكننا في الوقت نفسه لدينا الكثير والكثير من التحفظات والانتقادات للفكر الرأسمالي، ولا نرى أنه بمبادئه المطروحة حالياً هو الأنسب للتطبيق.

رغم هذا كله فإنه يجب الاعتراف بأن رؤية كارل ماركس وتوقعاته للرأسمالية كانت صائبة إلى حد كبير، وربما يجب أن يصدر هذا الاعتراف الآن من زعماء الفكر الرأسمالي قبل غيرهم، فما يحدث الآن في العالم وخاصة في الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية تنبأ به كارل ماركس منذ قرن ونصف مضى وهو يضع مؤلفه التاريخي «رأس المال» الذي طرح فيه تطور الرأسمالية وانفجارها.

لا شك أن العالم سيعيد قراءة كارل ماركس من جديد، ولا شك أن الغرب سيقرأ مؤلفات كارل ماركس باهتمام شديد، ولا نستبعد أن تعود الأفكار الماركسية للظهور والانتشار في قلب المجتمع الرأسمالي، ولن تجد هذه الأفكار من سيحاربها ويهاجمها بشدة مثلما كان في زمن الحرب الباردة.

وقد ظهرت بوادر هذه الظاهرة من الآن، وأيضاً في قلب المجتمع الرأسمالي في بلد كارل ماركس ألمانيا، حيث أصدرت دار نشر ألمانية مؤخراً كتاباً صوتياً للجزء الأول من «رأس المال» الذي حلل فيه كارل ماركس قبل 140 عاماً أسباب الأزمةِ المالية العالمية.

وكتبت الصحف الألمانية تقول ان «رأس المال» يحوز على اهتمام كبير في ألمانيا، حيث يتم تشكيل حلقات ماركسية في جميعِ أنحاء البلاد، وقد انتشرت هذه الحلقات حتى الآن في 34 قرية جامعية، ويجذب الجانب الاقتصادي للكتاب الطلاب الذين يأملون في إيجاد وسيلة للخروجِ من الأزمةِ المالية، وهدفهم الوحيد عدم الرضوخِ للوضعِ العالمي الراهن والبحث عن بدائل.

وذلك على خلافِ ما كان يحدث في الاتحادات الطلابية في ألمانيا الشرقية في سبعينات القرن الماضي عندما كان الطلاب يناقشون «رأس المال» بتكليفات حزبية وأوامر من السلطات العليا، وكتبت الصحف تقول إن 4500 نسخة من مجلد «رأس المال» نفذت فقط في الأشهر الأولى منذ بداية الأزمة المالية العالمية.

رئيسة المركز الروسي الحديث لاستطلاعات الرأي

mekhaelovna@mg.ru

Email