ما زالت رقصة التنورة، كما تسمى، إحدى الرقصات الفلكلورية المصرية التي تعتبر ملازمة للتراث المصري أين ما كان وأين ما عرض. في الواقع هذه الرقصة هي الوحيدة تقريباً التي وصلتنا، وربما كان للدراما المصرية دور كبير في إيصالها، والتي ما زالت مخيلتنا تحتفظ بجزء كبير من تفاصيلها، سواء من حيث الحركات المؤداة أو من حيث الكلمات والألحان التي تردد.
والرقصة جزء من تراث الصوفية في مصر، وتسمى الطريقة المولوية والتي هي مستمدة من التراث الصوفي التركي، وبالتحديد الطريقة المولوية التي أسسها جلال الدين الرومي.
لقد اعتمدت على ذكر هذه المقدمة كمدخل للحديث عن الصوفية في الوقت الراهن، كفكر وممارسة وأدوار في العالم الإسلامي، فالصوفية شكلت جزءاً كبيراً من مفردات الحضارة الإسلامية، وساهمت في تشكيل العديد من ملامحها الحضارية، وفي رفد كثير من الامبراطوريات الإسلامية بروافد البقاء والقوة، ولعل في تاريخ الدولة العثمانية من الدلائل الكثيرة ما يشير إلى صحة هذا القول.
كما لعبت الطرق الصوفية أدوارا عديدة في نشر الإسلام، وفي بث روح الجهاد بين المسلمين، وفي نقل صورة حضارية مسالمة عن طبيعة الدين الإسلامي.
ولا يمكن أبداً الإنقاص من الأدوار العديدة التي ساهمت الحركات الصوفية في تقديمها إلى العالم الإسلامي، سواء في آسيا الوسطى أو في باكستان أو أفغانستان وإيران، وفي دول المغرب العربي كذلك، وبالتحديد في إشعال الثورات في وجه الاحتلال الفرنسي، وغيرها العديد من النماذج.
هذا بالنسبة للتراث المادي الذي قدمته الصوفية، أما بالنسبة لتراثها الفكري، فقد ساهمت بجلاء في إثراء الحضارة الإسلامية بالعديد من الأشعار الخالدة السامية، التي تدعو إلى المحبة والتسامح بلا حدود، وإلى إثراء المكتبة الإسلامية بالآلاف من المؤلفات القيمة.
كما رفدت الحضارة الإسلامية بأسماء خالدة ما زالت إلى يومنا هذا تذكر بإجلال وتقدير، أمثال جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي وبديع الزمان النورسي وغيرهم الكثير، ناهيك عن الأوائل أمثال ابن عربي وابن الفارض.
لقد اعتبرت الصوفية إلى فترة قريبة جزءاً من التراث الفكري والحضاري للأمة الإسلامية، لكنها اندثرت في بعض الدول بفعل ما تعرضت له من معاول الهدم والإقصاء، وظل الكثير من الطرق الصوفية يمارس أنشطته في الخفاء، ولم تسلط عليها الأضواء في الوقت الراهن إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وبروزها كمشروع إسلامي بديل ينظر له بكل جدية في دوائر صنع القرار الأميركية والأوروبية.
خاصة بعد فشل الحركات الإسلامية الجهادية في تصدير نموذج تنويري عن الإسلام كعقيدة وممارسة، وكذلك بعد نجاح النموذج التركي الذي قدمه حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية، في تقديم نموذج معتدل ومتسامح عن طبيعة الإسلام.
ومن المعروف أن الهوية الإسلامية التركية يساهم العديد من الطرق الصوفية المنتشرة في تركيا، في تشكيلها وإمدادها بمقومات القوة والبقاء، رغم ما تعرضت له على أيدي الكماليين.
فاليوم تعمل الولايات المتحدة الأميركية على إعادة إحياء الحركات الصوفية في العديد من الدول الإسلامية، سواء في باكستان أو في أفغانستان المنهارة أو في العراق، وهي تعتمد بشكل كبير جداً على الدور التركي في هذا الموضوع.
واليوم هناك في باكستان وأفغانستان العديد من المدارس التركية التي يرعاها رجال أعمال ذوو انتماءات صوفية، وأصبحت بديلا ملائما للكثير من الأسر لتعليم أبنائها عن المدارس الإسلامية الأخرى.
وفي العالم العربي كذلك أصبح هناك حضور لا بأس به للحركات الصوفية، والتي كانت إلى فترة قريبة مغيبة عن التوازنات السياسية التي تعتمد على إيجادها الأنظمة العربية في الداخل، غير أن الوضع اليوم اختلف وأصبح الكثير من السياسيين ذوي الخلفيات الصوفية مقربين من مراكز اتخاذ القرار في العالم العربي.
ففي مصر على سبيل المثال، عين أحمد الطيب رئيسا لجامعة الأزهر وهو من خلفية صوفية، وفي المغرب كذلك أصبح للصوفية حضور سياسي قوي، حيث عين أحمد التوفيق وزيراً للأوقاف وهو من أصل صوفي، وهذا فيه رسالة مهمة جداً للحضور الإسلامي السلفي في المغرب، وكذلك الحال في الجزائر وفي سوريا وفي غيرها العديد من الدول العربية.
وهذا الحضور الصوفي اليوم تدعمه الولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر، سواء من خلال حث الدول على ذلك بطريقة مباشرة، أو من خلال الدعم المادي الذي تقدمه للكثير من الجماعات الصوفية، أو من خلال المؤتمرات والدراسات والتقارير الدولية التي تصدرها وتبين فيها أهمية هذه الحركة والتعويل عليها كبديل للإسلام الجهادي.
ولكن السؤال المهم هل سينجح الغرب في ذلك؟ أليس هو من صنع حركات الإسلام الجهادي لمحاربة الشيوعية، واليوم يعول على صناعة بديل آخر قد ينقلب عليه في يوم من الأيام عندما تنتفي مصلحة الآخر منه؟ هذا ما يجب أن تنتبه إليه الحركات الصوفية.
ويبدو أن تراث الصوفية، وخاصة الأشعار، قد أذاب قلوب الغرب، خاصة وأن الكثير من المستشرقين عملوا على ترجمتها ونشرها، وربما كان لكلمات ابن عربي وقع خاص في نفوسهم، فهو القائل:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه
فالحب ديني وإيماني
كاتبة إماراتية