نظرة في ظاهرة البطالة

نظرة في ظاهرة البطالة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين نتحدث عن نسبة البطالة بين المواطنين الراغبين في العمل في القطاعات المختلفة في الدولة، سنجد أنها نسبة ليست قليلة مقارنة بأعداد السكان الأصليين في الدولة، ووفق آخر دراسة أجرتها هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية «تنمية» بالتعاون مع وزارة الاقتصاد ومراكز الإحصاء في الدولة، فإن متوسط نسبة البطالة بين المواطنين على مستوى دولة الإمارات بلغت 9 .12%. تضعنا هذه النسبة أمام كثير من التساؤلات.

خاصة وأن هناك توجها وطنيا يحث على الإحلال والتوطين، ورغم أن الدولة تدخل عامها الثامن والثلاثين، لا نزال ننادي بهذه السياسة، ولا تزال الهيئات المعنية تنشط بوضع آليات للقضاء هذه الظاهرة، إلا أن الحال يظل دون حل جذري، وتبقى الأصوات الباحثة عن عمل تتصاعد يوميا، مطالبة بتوفير فرص العمل التي تمكن المواطن من خدمة بلده وحفظ كرامته بإيجاد مصدر رزق يوفر له حياة كريمة.

المعروف أن البطالة كمفهوم بسيط متعارف عليه بين شرائح المجتمع، يمكن أن يفرز كثيرا من الظواهر السلبية، ويؤدي إلى احتقان نفسي للأشخاص العاطلين عن العمل، وقد يصل بهم الحال إلى انسحاب شبه كلي من الحياة الاجتماعية، إلى جانب أن البطالة لها تأثيراتها الاقتصادية والسياسية.

ولعل أحد أهم عوامل نجاح التنمية في أي مجتمع، هو انخفاض نسبة البطالة فيه، والمتتبع لتداعيات هذه الظاهرة سيجد أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، ساهمت بشكل كبير في تفاقم الوضع وإجهاض الخطط والاستراتيجيات لوضع مخطط زمني للقضاء على البطالة، خاصة وأن التوجه إلى القطاع الخاص كان أحد الحلول المطروحة لاحتضان نسبة ليست قليلة من العاطلين.

ولكن في ظل الأزمة التي دفعت بهذا القطاع وغيره، إلى الاستغناء عن بعض موظفيه وتفكيك بعض الوظائف وإلغائها، زاد الإحباط عند المواطنين الذين يبحثون عن عمل، والسؤال الذي يدور في أذهان هؤلاء حتى متى؟

والسؤال الجوهري الأعمق هو لماذا لا توجد تدابير مصاحبة لتفشي البطالة، مع نقص فرص العمل القادرة على احتواء الأعداد المتزايدة من خريجي الجامعات والكليات وأصحاب المؤهلات العلمية؟

المعروف أن بعض الدول تمنح العاطل إعانة شهرية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية، وفي حالة تسريحه من العمل، وقامت دولة الكويت مؤخرا بتقديم إعانة لمواطنيها الذين سرحوا من القطاع الخاص نتيجة الأزمة.

وقد يقول البعض إن هذه الإعانة قد تسهم في دوام حال هؤلاء، وتدفعهم إلى التكاسل عن البحث عن وظيفة والاستقرار فيها، فهل البديل أمام هذا التخوف هو أن يعيش هؤلاء في ضنك وفاقة يشعرهم بأنهم غرباء في وطنهم؟ إذن، لا بد من حل ولا بد من مواجهة مع واقع العاطلين عن العمل، كقوة بشرية معطلة يمكن استثمارها بصورة أمثل لدفع عجلة التنمية المستدامة التي نطمح إليها.

إن الدولة وهي تعيش إنجازات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وتعمل على النهوض بالفرد ودمجه مع رؤيتها لمستقبل أفضل، فإنها أيضا تعيش تحديات داخلية كبيرة، ولعل أهمها تثمين المنجز والحفاظ عليه، وهذا لن يتسنى إلا بتكاتف جميع شرائح المجتمع والعمل جنبا إلى جنب.

والحقيقة أن المسؤولية الكبرى ملقاة على الكوادر الوطنية التي تعد هي المحور الأساسي للنجاح.

وبنظرة على القوة البشرية المواطنة في سوق العمل، فإن نسبتها لا تزال أقل من 10%، فالنهضة العمرانية التي تحيط بنا وانتشار المشروعات في مختلف إمارات الدولة، يشعرنا بأننا سوق عمل للقاصي والداني، خاصة وان النمو السكاني الهائل يجعلنا قبلة العالم الراغب في تحسين ظروفه المعيشية.

لكن بنظرة واقعية، نجد أننا لا نزال أمام سلم طويل للارتقاء في نسبة تشغيل الكوادر الوطنية في هذه المشروعات، التي فصلت وظائفها على بعض الناس من غير المواطنين، وهذا يجعلنا نعيد التفكير في هذا الواقع والخلل الذي يعاني منه هذا القطاع، الذي لو استثمر لصالح استيعاب المواطن بالدرجة الأولى، فإنه سيعزز الهوية الوطنية في جميع الميادين، وسيغير النظرة التي يتبناها البعض تجاه المواطن وعدم قدرته على إشغال بعض الوظائف في هذا القطاع. ولكن يظل هذا القطاع يدفع بالوظائف التي تدفع المواطن للعزوف عن العمل فيه.

فمهنة السفرجي والسائق وعامل «الرسبشن»، لن تكون طموح المواطن بأي حال من الأحوال، ولكن لنكن واقعيين في التعامل مع المواطن وهو يعيش في دولة رخاء، يمكن أن ترخي عليه بوظيفة تحرر طاقاته وتثمن مؤهلاته وطموحه، فالبعض يرى نفسه أكثر إبداعا من الموظف غير المواطن، ورغم ذلك لا يحظى بفرصة مماثلة في بلده، فهل مشكلته أن البعض يفضله أجنبيا؟

إن المواطن العاطل يحرك في النفوس كثيرا من الإحساس بالتعاطف، والمستغرب أن نجد هناك من يحثه عبر بعض المنابر الإعلامية، على قبول الأمر الواقع والتسليم بشغل أية وظيفة، وكأن هذا المواطن درجة عاشرة!

إن محاولة إدماج العاطلين في وظائف تشعرهم بالدونية ليست حلا، فالتدرج في استيعاب قيمة العمل لا بد أن يكون راسخا في ذهنية الإنسان منذ الصغر، وكما يقال «من شبّ على شيء شاب عليه».

كاتبة إماراتية

m.alemarat@gmail.com

Email