شجعه والده على إكمال تعليمه الجامعي رغم صعوبة كسب لقمة العيش في ذلك الزمن، وبعد أربع سنوات حصل على شهادته من إحدى الجامعات العربية وعمل بإحدى الوزارات مباشرة ومن ثم تزوج... كل ذلك حدث قبل 37 عاما بالتمام والكمال.

اليوم أصبح لديه أحفاد وهو أصبح جدا. فعمر أكبر أولاده اليوم 36 عاماً.. وهو الآخر تخرج ولكن من إحدى الجامعات الأميركية وبدأ بالعمل بإحدى الوزارات وتزوج وأنجب أطفالا وهم اليوم على أبواب الدخول للجامعة. أما الجد الأكبر فهو يتلقى الإعانة الاجتماعية بشكل دوري.

هناك إذن أربعة أجيال مروا بعمر الاتحاد على مدى 37 عاما. الجد الأكبر والجد والأب والحفيد.

لا أحد يصدق أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد قطعت كل هذا الشوط في غمضة عين، ولا أحد يصدق بأن هذه الإنجازات التي نراها ماثلة على أرض الواقع هي بفضل إصرار هذا الشعب الطيب القلب أن يحقق في زمن قياسي ما لم تستطع أن تحققه الشعوب الأخرى في أضعاف هذا الزمن رغم امتلاكها لنفس الإمكانيات إن لم تكن تتجاوزها.

بالفعل، ودون الحديث عن منجزات دولتنا من وجهة نظر وطنية وحماسية، فإن كل من شاهد ويشاهد المشروع الإنساني والعمراني لدولة الإمارات العربية المتحدة لا يسعه إلا أن ينحني إجلالا لهذا التطور الأسطوري لدولة صغيرة حجما كبيرة أملا.

صحيح أننا - وهي طبيعة البشر- غير راضين تماما عن كل أوضاعنا الداخلية، وانتقاداتنا تصل إلى كل مسؤول سواء عن طريق الصحف أو الإذاعة المسموعة المباشرة أو بالوصول شخصيا إلى أعلى المسؤولين درجة دون حاجز أو عائق أو من خلال مناقشات المجلس الوطني والمجالس الاستشارية الأخرى الموجودة في الدولة.

وأن الكل يتحدث يوميا بشكل ديمقراطي عن العمالة المفرطة وعن التركيبة السكانية وعن عدم القدرة على حل أزمة الازدحام المروري وعن غلاء الأسعار وعن صعوبة توظيف المواطنين وعن منافسة الأجانب لهم وغيرها من المسائل التي هي قيد الدراسة، إلا أننا في نهاية المطاف يحق لنا أن نصبح مثلا يحتذى به في بناء الوطن.

إن الخدمات والامتيازات التي يحصل عليها المواطن بدولة الإمارات كجزء من حقه المشروع أكثر من أن تحصى. وعندما نتحدث عن هذه الامتيازات إلى الأجانب يكادون أن لا يصدقوا ذلك وإن صدقوه اعتبروه تحقيقا لمدينة أفلاطون الفاضلة.

فأي دولة تمنح أراضي مجانية إلى مواطنيها؟ وأي بلد في العالم يمنح أراضي مجانية ومنح نقدية مجانية تصل إلى الملايين لبناء سكن لمواطنيها؟ وأي بلد يمنح أراضي سكنية وزراعية وصناعية وتجارية مجانية لمواطنيها؟ وأي دولة توفر المدارس (من المدرسين إلى الكتب إلى الدفاتر إلى الباصات) بالمجان لمواطنيها وغير مواطنيها؟

وأي دولة لا تفرض أي نوع من الضريبة على دخل مواطنيها وغير مواطنيها كما تفعل دولة الإمارات؟ أي دولة في العالم تعطي منحاً مالية مجانية لمواطنيها لمن يتأهب للزواج من أبنائها؟

أيا من بين دول العالم شرقا وغربا تبعث مرضاها إلى أرقى مستشفيات أوروبا وأميركا لعلاج مواطنيها على نفقتها؟ أي دولة في العالم سمحت بهذا الكم الهائل من العمال الأجانب من مختلف دول العالم بالعيش بسلام على أراضيها دون فرض الرسوم والضرائب عليهم؟

أي دولة في العالم تقرر بين فترة وأخرى زيادة رواتب موظفيها بجرة قلم واحدة دون المرور بمناقشات البرلمانات والروتين الإداري وغيره؟

أي دولة في العالم تمنح طلابها منحاً دراسية إلى أرقى جامعات العالم وهي منح كاملة تشمل رسوم الدراسة والضمان الصحي وتذاكر السفر وقيمة شراء الكتب والملابس إضافة إلى رواتب شهرية لكل طالب يعادل راتب موظف كبير؟

أي من الدول تفكر أن تحافظ على بيئتها كدولة الإمارات التي ما فتئت تزرع صحاريها بالشجر والمزارع الممتدة والتي بدأت تدرس جديا إقامة مدن خيالية متكاملة خالية من الملوثات العصرية؟ أي دولة من دول العالم تمد يدها بكل كرم لكل دولة محتاجة أيا كانت جنسيتها أو دينها أو لونها؟

أتذكر في أحد الأيام، عندما كنت طالبا في فرنسا، فوجئت بمن يطرق الباب في وقت متأخر من الليل. وعندما فتحت الباب فوجئت بموظف حكومي يحمل حقيبة وطلب مني السماح له بالدخول. وعندما سألته عن الغرض رد علي بأنه يعمل لمصلحة الضرائب وأنه جاء للتأكد بوجود جهاز تلفزيون لدي. وبعد شهر من تلك الزيارة استلمت خطابا رسميا من مصلحة ضرائب باريس تطلب مني دفع ضريبة على التلفزيون الذي أملكه والذي نادرا ما فتحته، وضرائب على الشقة، وأخرى على موقف السيارة!!!

واكتشفت بعد ذلك بأنني كنت أدفع للحكومة الفرنسية دون أن ألاحظ ذلك ضريبة على كل شيء أقوم بشرائه أو استهلاكه: من فنجان القهوة إلى الكتاب إلى المسطرة إلى حبة الأسبرين إلى المعطف إلى السيارة إلى الشقة التي كنت أسكن فيها!!

صحيح ان هذه الدول دول منظمة ولها قوانينها وتشريعاتها التي من دونها لن تقوم لها قائمة، ونحن لا نلومها على ذلك رغم أن ميزانياتها تفوق بآلاف المرات ميزانيات دولتنا، إلا أنه بالمقارنة بالامتيازات التي يحصل عليها كل من يعيش على أرض الإمارات تجعل منا ملوكا متوجين.

نحن لا نقول بأننا دولة مثالية لا يوجد فيها من يعاني من نقص هنا أو نقص هناك ووجود مشكلة هنا ومشكلة هناك، رغم ضخامة إيرادات الدولة من النفط، لكن هذه الإيرادات لم نحرم من الحصول على حصتنا منها.

إننا كما يفكر الغربيون عندما يأتون إلينا ويرون ما لم تر عين ولا أذن سمعت، نعيش في دولة فاضلة كتلك التي يحلم بها فلاسفة الإغريق، ولا أدل على ذلك من الأمن المستمر الذي نعيش فيه. نحن لا نعرف قيمتنا إلا بعد أن نقارن أنفسنا بمن حولنا.

فتحية لدولتنا التي تعيش على ترابها اليوم أربعة أجيال من المواطنين، لم يحرم أحد منهم من النعم التي حبا الله بها هذا الوطن... ومئات الجنسيات دون أن تعامل بأدنى أنواع التفرقة.

لقد فكرت بكتابة هذه المقالة صدفة ولسبب بسيط (بعد أن كنت بدأت الكتابة عن سلسلة العنف الذي يضرب عاصمة الهند) وذلك عندما مررت صدفة أمام إحدى المدارس الخاصة وإذا بصوت المئات من الأطفال يهز جدران المدرسة وهي تتغنى بالنشيد الوطني.. بينما علم الدولة يرفرف على أسطحها وعلى باصاتها وعلى سيارات أهالي الطلاب بل حتى على الزي المدرسي الذي تحول إلى أربعة ألوان: الأحمر والأخضر والأسود والأبيض.

جامعة الإمارات

dralaboodi@gmail.com