لم يدر بخلد السيدة بنازير بوتو رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب الشعب الباكستاني والابنة الكبرى لرئيس وزراء باكستان السابق ذو الفقار علي بوتو الذي أعدم على يد النظام العسكري بقيادة الجنرال ضياء الحق أو ربما دار بخلدها يوما ما تصور لسيناريو الفصل الأخير من حياتها باغتيال مروع منهية عهدا طويلا لصراع سياسي وتيارات متلاطمة وقفت فيها امرأة في مهب الريح حاملة إرث أبيها بيد وأحلام باكستان الغد بمنظورها بيد أخرى.
محزن حقا أن يكون الجزم واليقين بنهاية الحرية السياسية فوهة بندقية !!
حين سألت إن كانت ستخشى بوتو على حياتها من التعرض للاغتيال من الذين توعدوها حال عودتها إلى باكستان من المنفى، قالت لا اعتقد أن أي مسلم حقيقي سيحاول الاعتداء علي لأن الإسلام يمنع الاعتداء على النساء والمسلمون يعرفون أنهم إذا هاجموا النساء فإنهم سيذهبون إلى جهنم..! هنا تذكرت مقولة (الإرهاب لا دين له ولا وطن له)، وهل للإرهاب دين أو ملة!
مهما تعددت التيارات والطوائف والانقسامات فان الاختلاف لا يفسد لضرورة الود قضية، طالما أن أساس المنبع الديني واحد ومنشأه واحد فالأصل واحد والهدف السياسي واحد هو بناء الدولة واستمراريتها وتحقيق رغبة الشعوب بحقها في تقرير مصيرها واختيار قيادتها بنفسها.
ومن حق الشعب الباكستاني أن يختار وتترك له الفرصة ليقرر وفق أنظمته وقوانينه وتشريعاته، ومهما كانت نتيجة الانتخاب فان الجميع سيرضى بحكم (وأطيعوا أولي الأمر منكم) حتى تأتي دورة جديدة لانتخابات جديدة وربما تأتي قبل موعدها حسب شأن البلاد وظروفها، وهكذا هي دورة الحياة والشعوب.
وهذا معنى ترجيح العقل بمشورة العقلاء فان أمة المسلمين لا تجتمع على خطأ ولكن بأي منطق يتم تجريد البنادق وتصفية الخصوم كحل أوحد؟ عندما تغيب العقول والحكمة توقظ شريعة الغاب وتعمل آلة القتل والتدمير.
حينما سئلت من قبل الصحافيين في صباح الأربعاء 17-12 ما إذا كانت لا تزال تنوي المغادرة من دبي والعودة إلى كراتشي صباح غد اليوم التالي قالت: نعم سأعود.. بينما استعد للمغادرة أدعو الله أن يمنح الديمقراطية لبلادي وأطلب من الله أن يحقق تطلعات شعب وطني.
حينما نقرأ ونمعن في هذه الكلمات نجد الأمل المقرون بالإرادة الذي طالما تشبثت به طوال سنوات المد والجزر وصارعت من أجله كأول امرأة مسلمة عرجت سلم المعترك السياسي خليفة لأبيها في واحدة من أكبر الدول الإسلامية التي عرفت بالتوترات والتعددات الحزبية.
إننا هنا لا نمجد سياسة بنازير بوتو ونستعرض سنوات حكمها، أو نناقش سبب إقالتها من رئاسة الوزراء أو تصفيتها، ولا نعدد منجزاتها من عدمها، أو نعتقد بفرضية صلة حادث الاغتيال بالقاعدة كعامل مشترك أعلى وأدنى لكل عمل إرهابي على الكرة الأرضية أيا كان وفي أي زمان ومكان حتى لو كان في المريخ..
إننا هنا أمام نقطة واحدة مهمة ومحورية في كل عصر.. كيف لشعب أن يغير خارطته ما لم يغير من نفسه!
أيُّ كيان يبنى بحماس الهتافات والتصفيق والكثير من التخريب والحرق وسفك الدماء ؟! أيُّة حضارة تبنى بغسل أدمغة أبنائها بالرضا الإلهي الأبدي مقابل أشلائه وسط حمامات دماء لأبرياء أيا كانت انتماءاتهم وأجناسهم؟! أيُّ دين صلاة القاتل فيه مقبولة ويده مخضبة بالدماء بلا وضوء ولا توبة!!
يشرعون القوانين الإلهية لأنفسهم بلا مشرع سواهم، ويفصلون الدين رداء على هواهم، وفي النهاية النار لا تحرق سوى رجل من يطأها فما بالكم بمن يشعلها حوله وهو يلتفت يمينا ويسارا هل رآه من أحد؟ ثم يجلس مستريحا وسطها أو ربما يتظاهر بالراحة نكاية بنفسه!
من بلد لآخر وكلٌ حسب قيادته فلا يمكن أن تتساوى شعوب الدنيا بالعدالة النقية الكاملة والمساواة الشاملة في كافة الأوجه والمجالات اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ولكن يوجد هناك الرضا بأن الأرض الطيبة للجميع وأن لكل البشر موطيء قدم وأن للكون موازين بمقدار وحكمة إلهية هي العدالة فيها.
اغتيال السيدة بوتو ليس بأول ولا بآخر إصدارات سيمفونيات الإرهاب المنظم والغير منظم لإقالة العثرات وردمها ووأد إرادة الحرية للشعوب والمنظمات على وجه البسيطة حتى يتم تنصيبه سيد الساحة، فكم زرعت وحصدت هذه الآلة وستحصد ولكن في النهاية لن تحصد سوى الخراب والدمار لذاتها ولمن سار على نهجها وتمسح بأوثانها بعد أن تكون قدمت قرابين كثيرة ذهبت أدراج الرياح بلا مقابل هي آخرها.
كاتبة إماراتية