لو طبّقنا النظرية المعروفة أن «أول الرقص حنجلة» على الاختراق الإسرائيلي للمجال الجوي السوري لخرجنا باستنتاج واضح وأكيد بأنها الحرب التي بدأت نُذُرها تظهر في الآفاق، وإن كل التفسيرات التي أطلقها الإسرائيليون حتى الآن تدخل في نطاق «التذاكي الممجوج» خصوصاً عندما حاول أولمرت ممارسة »رياضة خفة الدم» خلال اجتماعه بقيادات حزب كاديما الآيل للسقوط.

كما كان سلفه ارييل شارون الرابض في غيبوبته الطويلة، عندما كان يمارس هو الآخر «هواية التشفي» بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وإطلاق الطرائف السخيفة عن الشعب الفلسطيني الصامد والمناضل ضد المحتل الصهيوني.

قبل الخوض في الخلفيات لهذا الاعتداء الإسرائيلي الجائر لابد من التوقف عند ثلاثة مفاصل أساسية تشكل المدخل للنقاش في أبعاد هذا الاختراق الإسرائيلي المتوقع منذ أشهر قليلة، والذي لم تكن دوافعه خافية على العامة وعلى الخاصة، وان الاستعداد للحرب على الضفتين جار على قدم وساق وبلا رتوش أو مساحيق.

اللافت في هذا الاختراق الإسرائيلي الجوي للمجال السوري انه كان في العمق الاستراتيجي أي في مناطق تل أبيض الواقعة على المثلث الخطير بين تركيا وسوريا والعراق، وبالتالي فان هذا الاختراق خرج عن مجاله التقليدي كالاستطلاع فوق السواحل السورية وصولاً إلى اللاذقية أو فوق مرتفعات الجولان جبهة المواجهة الكلاسيكية بين الجبهتين.

والأهم من كل ذلك ان الجانب الإسرائيلي لم يسارع كعادته إلى إشهار وإعلان هذا الاختراق عبر الملأ بواسطة وسائل إعلامه الكثيرة والواسعة النفوذ ولايزال قادة إسرائيل يمارسون حتى الآن لعبة «الضحك على الذقون» كما يقول إخوتنا في مصر، والإيحاء بالنفي في معرض الاعتراف ويقدمون مبررات باهتة تدعو للسخرية والضحك على طريقة «العروس المتصابية» خصوصاً عندما حاول أولمرت ان يتظاهر بالهدوء والسكينة مع وزيرة خارجيته عندما سئل عن حقيقة هذا الأمر.

والملمح الثالث والأخير هو لجوء دمشق إلى كشف حقيقة هذا الاعتداء الإسرائيلي في سابقة هي الأولى منذ سنوات، وبلا شك فان هذه الخطوة تحمل الكثير من الدلالات السياسية والاستراتيجية في سياق المواجهة التي بدأت تأخذ منحى خطيراً لاسيما على ضوء إعلان عجوز إسرائيل شمعون بيريز عن وقف التفاوض مع سوريا، إضافة إلى استبعاد دمشق كلياً عن المؤتمر الدولي المزمع إقامته في الخريف المقبل لبحث شؤون عملية السلام في المنطقة.

يقول الشاعر المعروف عمر بن أبي ربيعة:

إذا أتيت فامنح طرف عينيك غيرنا

لكي يحسبوا ان الهوا حيث تنظر

إن عملية الاختراق الجوي الإسرائيلي التي تمت في ذات ليل غامض ودامس قد نُفذت في المدى الحيوي الاستراتيجي لإيران، وبقدر ما كانت دمشق هي المعنية ولكن أبعاد هذا الاعتداء المباشر تطال العمق الإيراني.

ولذلك فإن الرسالة التي أرادها الإسرائيلي من وراء ذلك قد فهمها جيداً السوري والإيراني في آن معاً، لأن هذه العربدة الجوية المكشوفة لا تخفى على أحد وليست مشاغبة صبيانية يلجأ إليها الصهيوني المتهور فقط لرفع معنوياته بعد حرب يوليو الماضي التي استطاعت حفنة صغيرة من المقاتلين المؤمنين والأشداء أن يهزموا أكبر جيش في المنطقة ويمرغوا رأسه في الوحول اللبنانية الكثيرة.