سأل سائق تاكسي زبونا يجلس إلى جانبه وفي يده جريدة يقرأ فيها ألا تمل يا أستاذ من قراءة الجريدة؟ فأجابه الزبون فوراً ألا تزهق وتمل أنت من قيادة السيارة؟ فرد السائق مزهواً مع تنهيدة تعب إنها مصدر رزقي، وعاجله الزبون بالجواب غير المتوقع.. وقراءة الجريدة هي مصدر رزقي أيضاً!!
لم يتابع السائق إحراج نفسه بالمزيد من الأسئلة مكتفياً بهذا الجواب المبهم الذي لم يفهمه بالتأكيد مركزاً على طريقه الذي كان يسعى للوصول إلى نهايته لإيصال زبونه الغارق بتفاصيل صحيفته دونما اكتراث لأحد حوله، لكن غاب عن بال سائق التاكسي أن صاحب الجريدة هذا لم يكن يشاغبه أو يكذب عليه، لأنه صحافي ومصدر رزق الصحافي هو القراءة ثم القراءة، وبعد ذلك الوصول إلى موعد عمله بالتوقيت المناسب.
لا نضيف شيئاً مهماً عندما نقول إن سائق التاكسي هو واجهة البلد الذي ينتمي إليه، وهو علبة الأسرار المفتوحة وغير المعقدة للمدينة التي يعمل فيها.
ولذلك عندما يعود هواة السياحة والسفر إلى بلدانهم وأماكنهم ويروون مشاهداتهم وانطباعاتهم أول ما يتحدثون عن السائق الذي رافقهم في تنقلاتهم، لهذا فإن مهنة السياقة هي من أقدم المهن منذ أن كانت قوافل مؤلفة من الدهماء وتطورت إلى يومنا هذا وأصبحت سيارات «فورويل» فارهة ومكيفة على الطراز الحديث، هدفها الاستراتيجي الأول الحفاظ على راحة الزبون وإيصاله إلى المكان الذي يريده مكرماً معززاً، وتقديم خدمات لسكان المدن التي يعملون فيها من دون منة وبلا ضجيج أو منغصات تجلب المشاكل والثرثرة الفارغة، وتطبيق شعار الصدق والأمانة بلا لف أو دوران.
طبعاً لكل قاعدة استثناء، والاستثناء في تاكسي دبي أنها شركة تمتاز بمواصفات عالمية وتطبق كل القواعد الأساسية في عملها، ولكن لا يخلو الأمر خلال التطبيق من بعض «الهنات الهينات» كما قال أبو الدرداء، والهنات الهينات في تاكسي دبي النظيفة والراقية كثيرة وكارثية وأكثر من أن تحصى للأسف الشديد.
تتعامل تاكسي دبي مع زبائنها على أنهم كائنات غريبة وتشعرهم بعقدة النقص لأنهم يلجأون إلى سيارات الأجرة، ولا يقتنون سياراتهم الخاصة.
ولهذا فإن الشركة بإدارتها وموظفيها وسائقيها يستعملون كل مواهب التيئيس لديهم لدفع الزبون إلى الذهاب جرياً نحو أي شركة سيارات في البلد والاستغناء عن خدمات تاكسي دبي العظيمة، واللجوء إلى أقرب مدرسة لتعليم القيادة والمساهمة في زيادة الزحمة داخل شوارع المدينة التي تسعى للتغلب على هذه المشكلة المتفاقمة رغم اللجوء إلى «السالك» وسواه من الحلول المبتكرة والضرورية.
وعندما تستفسر من السائقين أنفسهم عن أسباب المشكلة يؤكدون لك أن بعض الموظفين في قسم تلقي الطلبات يتلهون بالشاي والثرثرة ولا يهتمون بطلبات الناس ويستهترون بها، كما أن هذه الفوضى نابعة من أن الشركة تتعاقد مع سائقي التاكسي على أساس النسبة.
ولهذا فإن الواحد منهم يحاول التخلص من الذهاب إلى الأماكن التي تشهد ازدحاماً مثل الديرة وبر دبي ويفضل مناطق مثل جميرا وجبل علي وطريق الشيخ زايد لأنها أماكن حيوية ولا تشهد ازدحاماً خانقاً وزبائنها عادة من «الأجانب الذين يدفعون بالعملة الصعبة ويعتمدون على الكومشن» كما قال أحد السائقين.
لا يوجد نقص في عدد سيارات التاكسي داخل دبي التي تبلغ الثمانية آلاف سيارة، ولكن المشكلة هو سوء الإدارة وعدم التوزيع العادل لهذه السيارات يومياً داخل المناطق حسب الحاجة وحسب استيعاب المنطقة، ولهذا يؤكد أحد السائقين أنه لا توفر معه أن يحمل زبوناً من دوار الساعة إلى ميدان عبد الناصر بخمسة دراهم ويستغرق الطريق أكثر من نصف ساعة نتيجة الازدحام بينما في الأحوال العادية لا تستغرق أكثر من خمس دقائق.
هنالك مبررات منطقية وموضوعية لمعاناة السائقين ولكن من غير المنطقي أن تكون أكثر من ألف سيارة متوقفة أمام مول الإمارات مثلاً بينما الركاب والزبائن بالعشرات والمئات أمام مؤسسات حيوية مثل مبنى داناتا في الديرة ينتظرون في عز الحر والرطوبة بصيص سيارة تاكسي عابر لنقلهم إلى أماكنهم ومنازلهم.
وكذلك من غير المنطقي وغير المفهوم أن يطلب الزبون سيارة قبل ثلاث ساعات ولا أحد يعيره اهتماما ولا أحد يرد عليه في إدارة الشركة وكأن شيئاً لم يكن انه منتهى الاستهتار والفوضى.
إذا كانت تاكسي دبي قد نجحت بإقناعي بشراء سيارة قريباً فإن المشكلة تبقى عالقة وتحتاج إلى حل سريع وضروري لوضع حد لهذه المعاناة التي يتكبدها أولئك الذين لا يقتنون سياراتهم الخاصة.