يتوجه المواطنون المغاربة غداً الجمعة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمانهم الجديد الذي يتغير مرة كل خمسة أعوام، وسط صخب كبير، ومنافسة حادة بين أكثر من ثلاثين حزباً وتياراً.
وعدد لا بأس به من المستقلين والمحايدين والمتخصصين الذين يطلق عليهم في المغرب بالتكنوقراط، الطامحين إلى لعب دور سياسي سواء داخل قبة البرلمان.
أو عينهم على الوزير الأول، أي منصب رئيس الوزراء الذي يتقرر مصيره هذه المرة في صناديق الاقتراع، بعد أن حسم الموقف الملك محمد السادس بأن هذا المنصب سيعود مجدداً إلى الأحزاب السياسية، بعدما تم منحه إلى التكنوقراطي أدريس جطو إثر انتخابات 2002 التي لم تفرز حزباً بغالبية واضحة تؤهله لهذا الموقع المهم.
الواضح من خلال خارطة التكتلات والتحالفات الانتخابية التي أقيمت بين الأحزاب المغربية لخوض الانتخابات غداً، يبرز حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي بالمناسبة ـ يختلف تماماً عن حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي فاز بدوره بالانتخابات للمرة الثانية.
ولا يوجد بين الحزبين أوجه شبه سوى التسمية فقط ـ فهذا الحزب أي العدالة والتنمية المغربي ذو توجه إسلامي معتدل أخذ شرعيته منذ أعوام قليلة في أوائل التسعينات ويملك حالياً أكثر من أربعين نائباً في البرلمان وأهميته أنه نافذ ومقبول في المناطق والأحياء الفقيرة، وله عشرة نواب منتخبين عن هذه المناطق في المدن الكبيرة كالدار البيضاء والرباط، ويشكل هذا الحزب منافساً حقيقياً لكل الطيف السياسي والحزبي المغربي، وطبعاً في طليعتها الأحزاب التاريخية كالاتحاد الاشتراكي والدستوري والاستقلال وسواها من الأحزاب التي لها تجربة عريقة ومتجذرة، في الساحة المغربية.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية المغربي يستعد لتحقيق فوز كبير ونظيف في هذه الانتخابات بعدما استطاع أن يقدم صورة ناصعة ونظيفة عن توجهه السياسي الواقعي المختلف عن توجه جمعية العدل والإحسان السلفية التي لم تحصل على قرار رسمي بالعمل السياسي.
فإن كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن هذا الحزب ماضٍ في طريقه لاستلام منصب الوزير الأول في المغرب، ويعزز هذا الاعتقاد ترشح عبدالواحد بناني عم زوجة الملك على لائحة حزب العدالة والتنمية الذي اعتبره البعض خطوة لافتة على صعيد موافقة القصر لهذا الاختيار وثقته بموضوعيته وجديته.
يكاد المراقب لحركة الانتخابات المغربية التي تنطلق غداً الجمعة أن يخرج باستنتاج أنها بدت محسومة النتائج سلفاً، وأن هذا الحراك السياسي الصاخب والمشروع يكاد يختصره اثنان هما فؤاد عالي الهمة الذي خرج من السلطة بعد أن استأذن الملك ليخوض الانتخابات في دائرته بالرحامنة، وبين عم زوجة الملك الذي يترشح على لائحة حزب العدالة والتنمية بالرغم من أن المنافسة تجري على 325 مقعداً في البرلمان وتشمل معظم مدن ومقاطعات المغرب.
يعود فؤاد عالي الهمة إلى منطقته الرحامنة على ظهر «التراكتور» (الجرار الزراعي) الذي اعتمده كشعار لجذب المريدين والأصوات والأنصار بعدما كتبت تفسيرات كثيرة حول إعفائه من منصبه حيث كان منتدباً في وزارة الداخلية بالرغم من أن الرجل خرج بملء إرادته وبعد استئذان الملك بذلك.
كما قلنا سابقاً إلا أن منسوب الجدل السياسي في المغرب مرتفع وحساس هذه الأيام وهناك تفسيرات شتى، البعض فسر هذا الخروج بأنه يشبه الإقالة وانتهاء دوره السياسي، وآخرون ذهبوا إلى الاستنتاج بأنه سيناريو مدروس لعودة الرجل بحلة جديدة تؤهله بعد فوزه الكاسح في منطقته الرحامنة لتسلم منصب الوزير الأول الذي كان يرشحه إليه كثيرون. بحكم قربه الوثيق من الملك.
في مطلق الأحوال إذا كان أهل الخبرة والمعرفة بشؤون المغرب يستبعدون هذه التفسيرات والاستنتاجات حول مصير فؤاد عالي الهمة المستقبلي إلا أن هذه الانتخابات الصاخبة في المغرب حالياً تفتقد بلا شك رجلاً مثل إدريس البصري وزير الداخلية الأسبق، والأقدم الذي توفي منذ أسبوعين وتم دفنه في الرباط. تفتقده في مثل هذه الأيام التي كان فيها دائماً صانع حدث بامتياز. وعلى مقربة منه تلميذه فؤاد عالي الهمة يخوض غمار معركة انتخابية لإثبات كفاءته وربما التطلع إلى مواقع لم تكن مطمعاً أو غاية عند البصري.
ذهب البصري بخفي حنين، ولكن الحراك السياسي والديمقراطي في المغرب سمح لتلميذه الذي كان يحمله مسؤولية إخراجه من السلطة ان يجدد نفسه ويتحدى الصعاب. وكم من تلميذ تفوق على أستاذه!!