لا أحد يناقش بأن حسم الجيش اللبناني معركته ضد فتح الإسلام في مخيم نهر البارد هو نصر عزيز وكبير استطاع تحقيقه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر كان نتيجتها خسارة كبيرة أكثر من 160 شهيداً وأكثر من 1200 جريح، وتشريد سكان المخيم الذين يربو عددهم على الخمسين ألف لاجئ، إضافة إلى تدمير كامل لهذا المخيم.
ما من شك بأن الجيش اللبناني دخل هذه المعركة القاسية والمعقدة بعد عملية الغدر التي تعرض لها إثر محاولة السطو علي بنك في منطقة الشمال اللبناني، حيث أخذ غدراً، فقامت عناصر فتح الإسلام بالهجوم على مواقعه المحيطة بالمخيم ودخلت مهاجع الجنود وقتلتهم ذبحاً وغيلة على الطرقات المؤدية إلى مدينة طرابلس وداخلها حيث كانت مجموعات تابعة لها تتحصن بأكثر من منطقة في المدينة.
ولذلك فإن من أهم الدروس المستفادة من هذه الحرب الشرسة أن الجيش اللبناني استطاع أن يخرج من هذه المعركة الطويلة والعنيفة موحداً وسليماً رغم الثمن الباهظ الذي دفعه في هذه التجربة المرة، كما استطاع هذا الجيش أن يحبط محاولة جر البلد والمنطقة إلى فتنة طائفية حيث كان من المقدر أن تعلن هذه العصابة أو هذه المجموعة إعلان منطقة طرابلس إمارة إسلامية وبسط نفوذها عليها، واثبات وجودها على الساحة كطرف سياسي جديد له كلمته كباقي القوى الأخرى.
صحيح أن الجيش اللبناني قاتل هذه العصابة الإرهابية ببسالة نادرة، إلا أنه دفع بالمقابل خيرة مقاتليه من النخبة والمغاوير في هذه المعركة داخل أحياء المخيم والمحصن تحصيناً قوياً فوق وتحت الأرض، ولكن بالمقابل فإن هذه العصابة وهذه المجموعة كانت مستعدة للقتال بشكل مهني وتقني فهي على مدى الأشهر الثلاثة كانت تحتفظ بكامل ذخيرتهما واستعداداتها القتالية، كما بقيت حتى آخر لحظة تقوم بمناورات عسكرية ذكية داخل ساحة المواجهة.
وكانت تمتلك أسلحة متنوعة كسبتها من التنظيمات الفلسطينية التي كانت تسيطر على المخيم، فقد استطاعت إطلاق صواريخ الكاتيوشا على القرى والمناطق المحيطة حتى اللحظات الأخيرة، من تفككها وهروبها من المخيم التي حوصرت فيه.
ولكن يبقى السؤال المهم والأساسي هل كان بإمكان الجيش أن يتفادى هذه المعركة الطاحنة؟
خبراء عسكريون ومراقبون من كل الاتجاهات أكدت بأنه كان من الصعب على الجيش تجنب هذه المعركة التي فرضت على الجيش، لأن الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له عناصره كان من الصعب الخروج منه وتجنب اتخاذ القرار القاسي بدخول المواجهة مع تنظيم كان مستعداً لكل الاحتمالات.
ويملك عناصر قتالية تمتلك خبرات اكتسبتها في مواجهات في تورا بورا والفلوجة وسواها، لأن هذا التنظيم ثبت أن معظم عناصره من جنسيات مختلفة ومرتبط بما لا يرقى إليه أي شك لتنظيم القاعدة كما أكد قائد الجيش العماد ميشال سليمان في الآونة الأخيرة.
إذن المواجهة كانت حتمية مع هذا التنظيم ولكن لابد بعد تنظيف المخيم وتفكيك معظم خلاياه القتالية ومقتل زعيمه من إجراء تقييم كامل لمسار هذه القضية وتحديد المسؤوليات على هذا الصعيد اللبناني والفلسطيني، لأن الطرف الفلسطيني هو الآخر يتحمل مسؤولية خطف هذا المخيم بذات المستوى التي يتحملها الجانب اللبناني، ووصول هذا التنظيم إلى تحويل مخيم بأسره إلى أرض مواجهة ضد الجيش اللبناني.
عندما صحح العماد ميشال سليمان قائد الجيش مفهوم مصطلح العصابة على هذا التنظيم وقال إنه مرتبط بقيادة القاعدة انبرى من يتصدى له، خصوصا عندما أكد أن هذا التنظيم لم يكن مرتبطاً بالمخابرات السورية ولا بالحكومة اللبنانية، حيث لا يزال من يعمل بعقلية الكيديات السياسية يروج لنظرية السوري الذي يقف خلف هذا التنظيم .
ولكن الثابت والأكيد أن هذا التنظيم المسلح بقي متماسكاً حتى آخر لحظة في القتال وهذا ما ينبغي التركيز عليه، لأن نشوة النصر لا ينبغي أن تصرف الاهتمام إلى أن بارداً آخر يمكن إعادة خطفه في لحظة استرخاء ويتم إعادة المأساة من جديد!!