أعان الله رئيس جمهورية لبنان القادم فهو مطلوب منه أن يكون بمقاييس خارقة لإرضاء جميع الأذواق السياسية في الداخل والخارج، وعليه أن يحمل في يده فانوس علاء الدين لكي يستطيع ارضاء أميركا وفرنسا وبريطانيا وسوريا وإسرائيل ومصر والسعودية و14 آذار و8 آذار والمنشقين عن 8 آذار والمنقلبين على 14 آذار.

وعلى إرضاء المنبر الثالث والمرجعيات الدينية من كل الطوائف والمقربين من المرجعيات الدينية والمتخاصمين مع المرجعيات الدينية، والمنشقين عن أحزابهم وزعاماتهم ومناطقهم وأحيائهم والمؤيدين للمقاومة وخصوم المقاومة أو لإرضاء أهل اليسار والعلمانيين والمتعلمين والجاهلين والجاهليين والمتخمين والغرباء في بلدهم وهم الأكثرية المؤلفة من الفقراء والجوعى والعاطلين عن العمل وعن الحياة أيضاً.

كما ينبغي على هذا الرئيس الخارق والفدائي في آن معاً ارضاء اللبنانيين الذين يعيشون في دنيا الاغتراب منذ عشرات السنوات خصوصاً في أميركا العظمى وفي أميركا اللاتينية في البرازيل والأرجنتين وكولومبيا ومونتفيديو الذي كتب عنها الروائي عوض شعبان.

وفي إفريقيا والخليج ومانيلا التي اختتم الأدبي الاشهر سعيد تقي الدين حياته بها، وأوروبا والمغتربين في الدول الاسكندنافية وفي كندا وألمانيا وروسيا وان يرضي كذلك اللبنانيين المغتربين المنقلبين على إخوانهم في الجامعة الثقافية في العالم التي لم تتوحد يوما في أميركا وكندا والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا وإفريقيا وفي بحر البلطيق.

وفي دول شرق آسيا والصين واليابان وماليزيا واندونيسيا وبرشلونة والبرتغال ومدغشقر، وسواحل القرن الإفريقي الممتد من اليمن ورأس الرجاء الصالح إلى رأس تنورة إلى تطون مروراً بطرابلس الغرب وتونس والجزائر ونواكشوط إلى بغداد الجريحة، وكوناكري ومالي وساحل العاج، هؤلاء اللبنانيون المختلفون دائماً، والأقل تضامناً، رواد النهضة الذين لهم الفضل في ترويج ثقافةالتبولة وتراث أبو الزلف والميجانا المكسورة، هذا هو لبنان الذي غنى له وديع الصافي «هل كم أرزة العاجقين الكون».

هؤلاء اللبنانيون الذين شردتهم سياسات قادتهم وأحزابهم في كل بقاع الأرض هم أوفياء لجلاديهم ويقدسون للأسف هذه الأصنام، كما قال أحد المراقبين الفرنسيين الذين يتابعون الشأن اللبناني بكل تفاصيله، الذي وقف مندهشاً أمام هذه الظاهرة التي لم يجد لها مثيلاً في التاريخ.

السؤال المطروح بجدية وموضوعية من هو هذا الرئيس العبقري والفذ والخارق الذي بإمكانه إرضاء كل هذه الشعوب والدول الموزعة في داخل الحدود وخارجه، وهل تتفق هذه الشعوب اللبنانية «الملمومة والمجمعة» كما وصفها زياد الرحباني في رائعة «قوم فوت نام» على رئيس يحكم لبنان بسهولة ويسر.

إن هذا الكائن الذي تطلبه كل هذه القوى الموزعة في كل أصقاع العالم، أعتقد غير موجود حالياً في صفوف الشعب اللبناني، ولم يخلق هذا الرئيس ولن يخلق في مرحلة من المراحل والحقب المقبلة، هذا ليس تعميماً لليأس بل هو واقع الحال البشع.

يقول المثل الشهير إن (إرضاء الناس غاية لا تدرك)، هذا صحيح، ولكن في الحالة اللبنانية المعادلة مختلفة لأن «زعل» أية جهة كبيرة كانت أم صغيرة، بعيدة كانت أو قريبة يعني أن شراً مستطيراً ينتظر البلد بأسره، وشعوبه التي لم تنصهر حتى الآن.

كما كتب المؤرخ اللبناني الأشهر كمال الصليبي في كتابه الفذ «بيت بمنازل كثيرة» الذي قرأ الحالة اللبنانية بكل دقائقها، بالرغم من أن هذا البلد هو من أقدم البلدان في التاريخ، ويمتلك أقدم حضارة متنورة علّمت البشرية أصول الحرف كما يقول الشاعر سعيد عقل.

لا يبدو بطرس حرب الذي دشن مرحلة الترشيح لرئاسة الجمهورية منذ أيام قليلة، مقنعاً لكل هذه القوى التي تتحرك على الساحة اللبنانية بشقيها الداخلي والخارجي، لأنه لم يكن محايداً في خياراته في السنتين الأخيرتين بل كان طرفا شرساً في الأحداث الأخيرة، بعدما كان شخصية محايدة تتميز بشروط موضوعية مقنعة من الجميع، لكن انقلابه على خيار الحياد الذي كان يمثل عقده الأساسي يبدو أنه حرمه، وحرم الشعب اللبناني رئيساً واعداً ومستقبلياً، مع العلم أن بطرس حرب رجل «كاريز ماتي» بامتياز ويمتلك خبرة سياسية عالية كانت تؤهله لهذا المنصب المهم.

بعيداً عن السخرية التي تفرزها أحياناً شراسة «التراجيديا السياسية» التي تختلط فيها أحيانا الأسباب بالنتائج في لبنان. فيصعب على المراقب وعلى صانع القرار نفسه الرؤية الصحيحة لمسار الأحداث ولكن ما يحصل حول الرئاسة وباقي الملفات المختلف عليها في لبنان تثير الضحك والاشمئزاز، لما آلت إليه هذه الأوضاع.

وهبوط مستوى الخطاب السياسي إلى أدنى درجاته حتى لامس الأرصفة والشوارع الرثة. يقول الدكتور سليم الحص إن محور الصراع في المنطقة، هو القضية الفلسطينية منذ نصف قرن وقد استطاعت معظم دول المنطقة، أن تتعايش مع هذا الصراع القائم وأن ترتب أوراقها الداخلية على هذا الأساس إلا في لبنان الذي تحول إلى ساحة مفتوحة نتيجة تواطؤ بعض الداخل اللبناني مع هذا الوضع.

ويؤكد الدكتور الحص أن أميركا والدول الكبرى. لا تريد شيئا من لبنان ولكنها تريد الكثير من المنطقة من خلال لبنان الذي جولته إلى منصة للضغط على معظم الدول العربية، فإذا أرادت واشنطن شيئا من دمشق في العراق الذي تعاني فيه، طلبته عبر لبنان بأشكال ورسائل متعددة قد تكون عسكرية أو عبر التقرير السياسي وغير ذلك.

في مطلق الأحوال، اللبنانيون هم الذين يتحملون المسؤولية سواء كانوا في الداخل أم في الخارج، والمطلوب أن يتوقف بعض الداخل من تحويل نفسه إلى أدوات سهلة من أجل مآرب وأهداف الخارج المشبوهة أياً كان هذا الخارج غربياً أم عربياً، والاتفاق على برنامج وطني جامع والذي يتم ترجمته بحكومة وحدة وطنية تحتضن الجميع، والاتفاق على رئيس يحظى بالإجماع المسيحي أولاً والوطني ثانياً.

وهذه الشروط السهلة طبعاً متوفرة بأكثر من شخصية مسيحية لبنانية، ولكن أكثر من يعبر عن هذه الشروط التي ليست خارقة هو العماد ميشال عون الذي أثبت مراراً وتكراراً أنه الرجل الأقوى لهذا المنصب، ولكن ينقصه الحظ كما يقول الدكتور سليم الحص، لأننا في عصر الخوارق على ما يبدو وليس في عصر الديمقراطية.