بعد مرور عام كامل على العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان اكتشفت منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية لحقوق الإنسان أن المقاومة اللبنانية التي كانت تدافع عن نفسها وعن أرضها وعن أهلها إنها هي التي كانت المعتدية على الحمل الوديع إسرائيل، وانها كانت تقصف المدنيين الاسرائيليين العزل بصواريخها بعيدة المدى.
لو سلمنا جدلاً بالنظرية التي تتبناها هذه المنظمة المشهورة، وكذلك لو سلمنا بعدم انحيازها لهذه الجهة أو تلك بل تعتمد منهج الموضوعية أسلوباً لها، ألم تشاهد هذه المنظمة العظيمة المنزهة عن التحيز والمعروفة بالشفافية المليونين وخمسمائة ألف قنبلة موقوتة قصفتها إسرائيل على المناطق المدنية. ألم يكن مطلوباً من المنظمة الأميركية تحري الدقة قبل الذهاب إلى لبنان لعقد مؤتمر صحفي في قلب بيروت تعلن فيها أن المقاومة كانت المعتدية وأن المجرم المعتدي إسرائيل هي البريء.
لو أجرينا مقارنة بسيطة وفق نظرية النسبة والتناسب بين خسائر اللبنانيين والإسرائيليين في الأرواح والمعدات والأرزاق خلال فترة الحرب لوجدنا أن الفرق كبير جداً، فالمعروف أن معظم القتلى الذين سقطوا في إسرائيل بصواريخ المقاومة لا يتعدى عددهم التسعة أشخاص بينهم أربعة عرب فلسطينيين من الناصرة.
فيما تجاوز عدد ضحايا وشهداء القصف الوحشي الصهيوني على قرى ومدن لبنان أكثر من ألف وأربعمائة لبناني، بينهم الأطفال والشيوخ والنساء والعجزة، هذا عدا الجرحى والمعوقين، كما أن ضحايا القنابل الموقوتة التي زرعتها مدافع الحقد والإجرام الصهيوني في لبنان لا يزال مستمراً وقد تم إحصاء أكثر من ستين شهيداً حتى الآن، وهنالك عدد مماثل من الجرحى الذين أصيبوا جراء هذه القنابل في حقولهم التي يعتاشون منها.
وبالنسبة والتناسب أيضاً، فإن صواريخ المقاومة كانت تستهدف أهدافاً ومواقع عسكرية إلا فيما ندر، فقد أصابت إصابات مباشرة للسفينة البحرية المتطورة ساعر 5 التي كانت تعربد قبالة سواحل مدينة بيروت، وأصابت طائرة كانت تحمل جنوداً فوق مناطق مدينة صور، وكذلك أصابت موقعاً عسكرياً إسرائيلياً مباشراً في الشمال الفلسطيني المحتل وقتلت عدداً من الجنود ودمرت أكثر من ثلاثين دبابة في مجزرة الدبابات في وادي الحجير.
وكان بإمكان المقاومة قصف المناطق الحيوية في مدينة حيفا التي يوجد فيها كل الاحتياط النفطي والصناعي الإسرائيلي برمتها ولكنها أحجمت عن ذلك وركزت صواريخها على الأهداف العسكرية بينما الآلة العسكرية الإسرائيلية المدمرة بدأت عملية تدمير منظمة للبنى التحتية في لبنان، حيث استهدفت كل الجسور من أقصى لبنان إلى أقصاه، ودمرت المصانع واستهدفت محطات المياه والكهرباء بسبب وبلا سبب، وكان الهدف هو التخريب وإعادة لبنان عشرين عاماً إلى الوراء كما قال رئيس حكومة إسرائيل ايهود أولمرت.
إن كل هذا الدمار الذي أحدثته إسرائيل في الضاحية الجنوبية حيث تم إحصاء تدمير أكثر من خمسمائة بناية بصواريخ محظورة دولياً لم تشاهده ولم تسمع به هذه المنظمة الأميركية المتحمسة لحقوق الإنسان فكانت النتيجة النهائية لهذا التدمير المبرمج والمدروس أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية يقطنها أناس أبرياء.
كنا نتمنى على هذه المنظمة أن تذهب إلى إسرائيل أولاً وتعلن من هناك الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق السكان الآمنين اللبنانيين في بيوتهم، وكان ينبغي على هذه المنظمة أن تدين أولاً حكومة أولمرت التي أعلنت الحرب المفتوحة على الفقراء والمساكين وأسقطت على رؤوسهم قذائف وصواريخ تعادل ثلاثة أضعاف الصواريخ التي أسقطت على مدينة هيروشيما وناجازاكي اليابانية.
لقد أثبتت هذه المنظمة أنها لا ترى إلا بنصف عين، وانها تعمل وفق المثل المعروف «قتل شعب بأكمله مسألة فيها نظر وحرق غابة جريمة لا تغتفر»، وأكدت بما لا يقبل الشك أن استقرار إسرائيل وراحتها هو فوق كل اعتبار حتى ولو كان على جماجم الأطفال اللبنانيين الأبرياء.