«كذب المنجمون ولو صدقوا» كلما أطل ميشيل حايك الذي يسمونه برجل التوقعات، وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم وتعوّذوا من الشيطان الرجيم، لأنه لا يبشِّر إلا بالمصائب والكوارث التي ستحل على رؤوسهم.

يحب اللبنانيون الحياة، ويقبلون عليها بحماس وحيوية، ولكن ميشيل حايك أو «نوستردام لبنان» يصرّ على أن يخترق سكينتهم وهدوءهم ويمعن التوغل في إيذائهم وتعكير أمزجتهم كلما مالت إلى النسيان والراحة، حيث يطل عليهم عبر شاشة تلفزيونية ليخبرهم عن مصائب ستقع في ديارهم، أو عبر مجلة أو جريدة أسبوعية أو يومية، يخبرهم أن شخصية معينة معرّضة للخطر أو أن زلزالاً سيصيبهم، أو أن 200 امرأة وأم مع أولادهن يبكون ويغرقون ببحر من الدم.. أو.. أو.

ميشيل حايك هذا الذي يجاهر علناً بأنه لا يحمل من الشهادات إلا بطاقة هويته، يسعى لتوسيع دائرة عمله من المحلية اللبنانية إلى الإقليمية والعربية، ويتطلع إلى العالمية، أتحفنا منذ أيام قليلة بأن هناك تخطيطا لعملية تفجير ضخمة ستقضي على قيادات لبنانية في لحظة واحدة، إلى جانب استقالة شخصية لبنانية ومصير محزن في انتظار شخصية نسائية عربية، إلى جانب بعض التوقعات الصغيرة مثل افتعال اعتداء عسكري أمني بين لبنان وإسرائيل يؤدي إلى حالة من الاستنفار والتأهب.

وضجيج إعلامي حول إخلاء شخصية مالية لبنانية منصبها لمصلحة وجه جديد، أو اكتشاف مخزن للأسلحة يكون مشغلاً لتفخيخ السيارات وإعداد العبوات المتفجرة وغيرها الكثير.

لا يجيب ميشيل حايك عن آلية حصوله على هذه التنبؤات عندما سُئل عن ذلك، بل كان يشرح التكنيك الذي يتفاعل داخله، هي ليست أحلاماً ورؤى يشاهدها في نومه أو كوابيس تطارده، إنها صور تراوده خلال اليقظة، أو خلال مشاركته في جلسة أنس مع أصدقائه، أو قد تداهمه في الطريق، تماماً كما كان يحصل مع الممثل عادل إمام في فيلمه الشهير «اللعب مع الكبار» .

حيث أقنع بعد جهد جهيد ضابط الشرطة فاروق الفيشاوي بأنه رجل غير عادي تراوده أحلام ورؤى خطيرة يتنبأ فيها باغتيالات وعمليات سطو وإجرام، وبعد تعاون مع الشرطة فقد تم فعلاً إحباط الكثير من عمليات السرقة وخطف الأولاد والنساء وإفشال محاولات لتهريب المخدرات تقوم بها شخصيات رسمية، إلى أن تم اكتشاف «الملعوب» .

كما يُقال حيث كان شقيقه محمود الجندي الموظف في الهاتف يمارس هواية التنصت على بعض مراكز النفوذ وعصابات الإجرام المتسترة وراء الشركات الضخمة، وهو الذي كان يمده بكل هذه المعلومات التي حوّلها إلى تنبؤات وتوقعات، حيث اكتشفت العصابة الأمر وعمدت إلى قتل الموظف بطريقة بشعة وسقطت معها نظرية الخوارق التي تجد لها مناصرين ومتحمسين لدى العامة والسذّج.

وإذا كنا لا نتمنى هذه النهاية لميشيل حايك ونطلب من الله أن يحميه ويحمي أمثاله، إلا أن ظهور الرجل المتكرر في السنوات الأخيرة التي عصفت بلبنان، في ظروف مختلفة كان ولا يزال يثير الشك والريبة عند معظم اللبنانيين، وبلغت الشكوك حداً عند البعض أنه اتهمه بالعمل لمصلحة أحد أجهزة المخابرات المحلية أو الإقليمية لأن معظم تنبؤاته كانت تصدق منذ اغتيال الشهير جبران تويني، إلى اغتيال النائب الشهير وليد عيدو.

وقد رد على هذه الاتهامات علناً وتقبلها بروح رياضية مؤكداً أنه لا يستغرب اتهامه بالعمل لمصلحة الاستخبارات لأن مفهوم الناس حسب تفسيره أن الاستخبارات وحدها تعرف باطن الأمور، مضيفاً أنه يعمل من خلال حاسته وتركيزه ليس عبر تجميع الأخبار والاستجوابات والاستطلاعات، وأنه إذا توقف الإعلان عن توقعاته فهو لا يقدر أن يتوقف عن التوقع لأنها حسب فهمه وفلسفته تعني الغد.

المشكلة ليست مع ميشيل حايك الشخص فهو قد يبدو لطيفاً وذكياً ومسلياً، إلا أن اللبنانيين الذين سئموا الكوارث يعتقدون أنه كلما أطل عليهم بتوقعاته فإن هنالك مصيبة ستقع أو على وشك الوقوع، لأن التجارب معه كثيرة فهو يحمل إرثاً كبيراً عشرات التنبؤات التي تحققت، وإطلالاته القليلة ولكنها الساطعة التي تتم مطلع كل عام حيث يغرق فيها بتوقعاته المختلفة، فقد تنبأ لعام 2007 بأكثر من ستين توقعاً منها الإقليمي والدولي والمحلي تحقق منها حسب زعمه ستة عشر توقعاً، وخمسة إقليمياً والباقي على الطريق لأننا مازلنا في منتصف العام.

ليس من قبيل الصدفة أنه كلما أعلن ميشيل حايك عن كارثة ستقع ينبري عدد من السياسيين اللبنانيين إلى التبشير بحصول حوادث أمنية وعمليات اغتيال، إن هذه المصادفة الغريبة العجيبة تستدعي التوقف والمتابعة.

منذ أيام قليلة بدأنا نسمع من عدد من السياسيين اللبنانيين أن الساحة اللبنانية مقبلة من جديد على أعمال عنف، وعلى حوادث أمنية نتمنى أن لا تحصل، ويكفي هذا البلد الجميل ما عاناه من مشاكل ومن كوارث أخرت كثيراً في نموه الاقتصادي وتطوره المالي والاجتماعي.

إذا كان البعض يعود إلى تنبؤات نوستردام التي بشر فيها منذ خمسمئة عام، فإن الاحتكام إلى تنبؤات ميشيل حايك يعد خرافة تافهة تكلف أحياناً الحياة، فإن الأفضل الإقلاع عن هذه الترهات لأن عصر الخوارق قد ذهب منذ زمن بعيد، وعلى الناس أن يعودوا للواقع ويتمسكوا بالأمل لأنه الحبل الرفيع للخلاص الذي يعيد للحياة رونقها. وكذب المنجمون ولو صدقوا.