عندما شاهدت المعارض السوري مأمون الحمصي منذ أيام على إحدى الشاشات الفضائية المعروفة شعرت بالصدمة لأن الرجل الذي أحيطت به هالة من التبجيل والتقدير عندما كان في السجن ودبجت لآجله مقالات كثيرة في بعض المواقع الالكترونية والصحف اللبنانية لم يكن مقنعاً.

وشعرت أنه لا يملك «عدته» العلمية الصحيحة التي تؤهله لكي يكون معارضاً أصيلاً ومؤثراً فمازالت مفرداته ومصطلحاته التي يرشق بها النظام فقيرة وطرية، ومبرراته التي قد تكون صادقة وصحيحة تعاني من الهزال والضعف بحيث تبدو غير مؤثرة وفاعلة لدى المتلقي لكي تدفعه بالتعاطف معه وينحاز إلى خياراته المصيرية.

وذلك على خلاف المعارض الجديد عبدالحليم خدام الذي انقلب على النظام الذي كان نائباً للرئيس فيه، وواحداً من ابرز أعمدته الصلبة لأكثر من ثلاثين عاما والذي يمتلك «عدته» الكاملة في التعبير لدرجة محيرة، ولكنه مثل مأمون الحمصي غير مقنع للمتلقي، إذ من الصعب على المواطن السوري البسيط ومعه اللبناني الفقير تصديق نظرية انقلاب خدام على نفسه وعلى النظام الذي ولد فيه بين ليلة وضحاها حتى ولو أخذنا نظرية المؤامرة بعين الاعتبار، هذا النظام الذي كان خدام من أشد المتصلبين فيه.

ومن أكثر الصقور دفاعاً عنه، كما يحتاج هذا المواطن الضعيف إلي الكثير من الوقت لكي «يبلع» الأسباب التي دفعت «أبو جمال» للرحيل خارج الحدود، إلى كنف إحدى الدول الأوروبية التي تحتضن معارضته، وتنظيم حملته المسعورة ضد هذا النظام الذي كان ابنه المدلل بامتياز.

ثم الأهم من كل ذلك فإن خدام لم يقدم مبررات واقعية وملموسة ودامغة تدين النظام الذي كان في غرفته السوداء وجزء من عقله الباطن ويعرف كل أسراره، لكي تدفع المواطن للانحياز إليه وإلى معارضته المقيمة في الخارج منذ عقود وفي فنادق خمسة نجوم.

كذلك فإن السيد خدام كما النائب السابق في مجلس الشعب مأمون الحمصي لم يقنع مواطنيه على ما يبدو قبل إقناع الخارج بالأسباب التي دفعته للانقلاب على النظام الذي جعله شخصية مهمة على مدى السنوات، أوعلى العكس هو الذي جعل من النظام الحالي قلعة حصينة يستحيل على أحد النيل منها بسهولة.

ما عدا مصطلحات الانتقاد والإدانة التي يجيدها خدام بمهارة والتي تصلح لإسقاطها على نظام جزر القمر أو مدغشقر أو الماو ماو إلا أن أبوجمال لم يقدم شيئاً جديداً في هذا المجال، والأنكى أنه قدم نفسه الضحية التي كانت تنفذ أوامر ولا تصنع سياسات وخططاً لهذا النظام خصوصاً في الملفات الشائكة التي تجلب المشاكل لبلده حالياً كالملف اللبناني وتشعباته وتعقيداته الكثيرة، وملف الفساد في الداخل الكبير، وملف الإخوان المسلمين الذين أصبح حليفاً لهم في تجمع المعارضة في الخارج وغير من القضايا الكثيرة.

يعتقد البعض أن هذه المعارضة هي التي تعطي النظام المصداقية وتمنحه الشرعية الداخلية، فكلما ظهر خدام على سبيل المثال على الشاشات والفضائيات التي يكيل فيها الاتهامات للدولة وللحكومة تزداد شعبية هذا النظام، وكلما أغدقت بعض الأصوات المتحالفة مع خدام ومعارضته في لبنان كالسيد وليد جنبلاط وسمير جعجع وسعد الحريري تتوسع دائرة المؤيدين للنظام ليس محبة به بل نكاية بهذه الأصوات التي تضر أكثر مما تنفع.

ولهذا فإن هذا البعض يردد دائماً أن النظام في دمشق محظوظ وموفق، ولو لم تكن هذه النماذج من المعارضين موجودة لكان ينبغي على النظام العمل على إيجادها، لأنها الأوكسجين الذي يطيل عمره، ويزيد من تجذره ونجاحه، ولا يستبعد بعض المتخصصين في نظرية المؤامرة من أن تكون خطوة انقلاب خدام على نفسه .

وعلى نظامه هي واحدة من هذه الخطط الجهنمية أو الذكية التي يلجأ إليها «العقل الباطن» للنظام لإبعاد احتمالات أي ضربة من داخل أو من الخارج، وأن حركة النائب السابق مأمون الحمصي التاجر الدمشقي الشهير هي خطوة منسقة ومدروسة مع النظام، كما لا ننسى كما يقول هذا البعض أن خدام في أول إطلالة له لإعلان انشقاقه وطلاقه البائن عن النظام كان كلامه دافئاً عن الرئيس بشار الأسد واعترف بلسانه عن تهذيبه وأخلاقه العالية .

وإنه ذهب لوداعه واستئذانه بالراحة والخلود لكتابة مذكراته، وحتى الآن وبعد مرور ثلاث سنوات فإن المذكرات لم تظهر وتنبؤاته بسقوط النظام لم تتحقق ولا يبدو أنها قد تتحقق في المستقبل، مادام واحداً من زملائه في أركان المعارضة ذهب إلى الكنيست الإسرائيلي يستنجد باليهود للمساعدة على ضرب بلده وشعبه، ومن أسف فإن اليهود أنفسهم احتقروه وذموه وتبرع أحد أعضاء الكنيست العرب بشتمه وتوجيه الكلام القاسي له.

إذن المعارضة هي حق شرعي، ولكن بشرط أن تلتزم بقوانين بلادها لا أن تكون عوناً للخارج على شعبها ففي هذه الحالة لا تكون معارضة، بل عدواً ينبغي محاربته!!