براءة الصرب من دم المسلمين-د. مغازي البدراوي

براءة الصرب من دم المسلمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أدري ما السبب وراء هذا الغضب من حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي الصادر يوم الاثنين الماضي ببراءة الصرب من جرائم الإبادة التي حصلت في البوسنة في عام 1995، وربما يندهش الكثيرون من تساؤلي هذا، خاصة وأننا نحن العرب مشحونون تماما ضد الصرب بسبب ما سمعناه من الإعلام عن جرائمهم ضد المسلمين في البوسنة.

ولكن الحقيقة أن حكم المحكمة بالبراءة لم يكن غريبا بالنسبة لي، خاصة وأنا أتابع أزمة البلقان وأحداث يوغوسلافيا منذ بداية التسعينات ولكن من خارج المنطقة العربية، بمعنى أنني لم أتابعها من خلال الإعلام العربي الذي أعتقد أنه كان خاضعا تماما للإعلام الغربي في هذه القضية بالشكل الذي جعل معلوماتنا نحن العرب والمسلمين بالتحديد عن النزاعات في البلقان مغلوطة تماما، بحيث تم شحننا نفسيا ومعنويا ضد الصرب بدون أن نعرف حقيقة الصراع وأصوله التاريخية.

وأعتقد أن المحكمة الدولية التي نظرت هذه القضية بدقة وتمعن استمر لأكثر من عشرة أعوام واطلعت على مختلف الأدلة والبراهين التي قدمتها البوسنة منذ عام 1993 وحتى الآن قد توصلت لقناعة تامة وبدون أية ضغوط لحكمها هذا، ولو كانت هناك ضغوط لكان الحكم بالإدانة هو الأرجح وليس بالبراءة، حيث أن الغرب هو الذي يملك الضغوط ومن مصلحة الغرب إدانة الصرب وليس تبرئتهم، ولكن الأدلة كلها أمام المحكمة كانت تبرئ الصرب.

ومن متابعتي للقضية في الخارج اطلعت على مشاهد تليفزيونية لمقابر جماعية قيل إنها للبوسنيين الذين قتلهم الصرب، وكان في المشاهد أشجار عالية من نوع لا ينبت ولا يوجد على الإطلاق في منطقة البلقان ولا حتى في جنوب أوروبا كلها، وهذا ما قاله الفيلم الوثائقي وما قدمه الدفاع عن الصرب في القضية، بمعنى أن معظم صور ومشاهد المقابر الجماعية في البوسنة والتي اطلعت عليها المحكمة في لاهاي كانت مفبركة ومزورة، هذا لا يعني عدم وقوع جرائم ومذابح للبوسنيين وغيرهم، ولكن من الذي ارتكبها ؟، هل هم جنود الجيش الصربي أم آخرون دفعت بهم جهات أخرى بهدف إشعال الفتنة العرقية والحروب والنزاعات في البلقان ؟.

الإجابة عن هذا السؤال تحتاج لسرد طويل لحقيقة الصراع في البلقان ودور الولايات المتحدة وبريطانيا بالتحديد في هذا الصراع، وما أشبه اليوم بالبارحة، فما يحدث في العراق نسخة مكررة لما حدث بالأمس البعيد في البلقان، حتى إن الأشخاص لم يتغيروا كثيرا فقد كان في البلقان توني بلير وكلينتون، والآن في العراق بلير وبوش، والعصابات التي كانت تقتل البوسنيين في البلقان تشكلت بنفس الطريقة والأسلوب الذي تشكلت به العصابات التي تقتل العراقيين الآن.

ولنفس الهدف، ولنا أن نتساءل لماذا استخدم حلف شمال الأطلسي عام 1999 القوة لأول مرة في تاريخه في البلقان، وهو الحلف الذي نشأ لحماية أوروبا لا لقصفها ؟ ولماذا وافق أعضاء الحلف جميعهم على ذلك بدون تردد ؟ هذا سؤال مهم للغاية يكشف لنا حقيقة الصراع هناك والأكاذيب التي دارت ولفقت حوله، علينا أن نعرف من هم الصرب وماهي عقيدتهم الدينية وانتماءاتهم السياسية ؟ ولماذا هم مرفوضون من الغرب في أوروبا ؟.

إنهم من الأرثوذكس الشرقيين المنتمين للكنيسة الشرقية التي تكن كل احترام ومودة للمسلمين في الوقت الذي تكن فيه الكثير من العداء والكراهية للكنيسة الغربية، وقد عاش الصرب مع جميع الطوائف العرقية والدينية في البلقان في سلام وود لعقود طويلة، وكانوا جميعا شعبا واحدا في ظل دولة يوغوسلافيا الفيدرالية تحت حكم الزعيم الكرواتي جوزيف تيتو، ولم يحدث بينهم أية خلافات إلا بعد انهيار المعسكر الشيوعي وتوجه الغرب وحلف الناتو لتحطيم يوغوسلافيا وتجزئتها وقهر الصرب لاحبا ولا حماية لمسلمي البوسنة.

ولكن لأن الصرب جسم غريب في أوروبا الغربية رفض الاندماج معها، خاصة بعد رفض صربيا التوقيع على اتفاقية« رامبوييه » للسلام التي أرادت واشنطن ولندن بها فرض حماية عسكرية على البلقان مثلما حدث بالضبط في العراق، وبعدها مباشرة قام الناتو بقصف صربيا ليدمر المدارس والمصانع والمساكن ويقتل الآلاف بوحشية لم تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية.

لقد دعم الغرب جيش تحرير كوسوفو الذي اعتبرته الأمم المتحدة منظمة إرهابية، وشكل الغرب جماعات إجرامية مأجورة من مجرمين صرب وبوسنة وأتراك وكروات وغيرهم هم الذين قاموا بالمذابح التي اتهم فيها الصرب، واشتعلت نار الفتنة التي لم تهدأ حتى الآن مثلما يحدث بالضبط في العراق والمتوقع في لبنان وفلسطين وغيرها من البلدان.

وأحيل القارئ هنا لكتاب الكاتب البريطاني الشهير «جون بيلجر» بعنوان «لا تقل لي أكاذيب» والذي كشف فيه الكثير من الحقائق في البلقان، وهو الكاتب الشهير بالدفاع عن الفلسطينيين والذي أضطهد ومنعت كتبه في أميركا بسبب تعاطفه مع العرب وكراهيته لإسرائيل.

elmoghazy@hotmail.com

Email