الترويج لمهنة الرقص في الإذاعة

الترويج لمهنة الرقص في الإذاعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت استمع لواحد من البرامج الصباحية من إحدى إذاعاتنا المحلية قبل يومين، وكان المذيع اللبناني اللهجة يسأل المستمعين عن نوع الوظائف التي لا يحبون أن يشغلوها ـ حتى وإن كانت ذات مردود مادي عالٍ ـ ويطلب منهم أن يبعثوا بردودهم على «الإس إم إس») الوسيلة الأكثر انتشاراً هذه الأيام للربح السهل). المستمعون أجابوه إجابات مختلفة، غير أن إجابة واحدة استوقفني تعليق عليها، ليس من المذيع شخصيا ولكن من شخص آخر يظهر صوته في البث بين الحين والآخر، لعله منفذ البرنامج. التعليق كان على رسالة بعثتها إحدى المستمعات تقول فيها إن الوظيفة التي لا تحب أن تشغلها هي وظيفة الراقصة، فرد الشخص الذي يعلق «لماذا، هذه وظيفة حلوة؟».

ترى كيف نقرأ ردة الفعل هذه من هذا الشخص، هل نعتبرها ترويجاً لهذا النوع من المهن ودعوة الفتيات للانخراط فيها أم ماذا؟ وهل هذه إحدى مهمات إعلامنا المحلي، الترويج لمثل هذا النوع من الوظائف(لا أقصد طبعا الإساءة للرقص كتعبير ثقافي وإنما أقصد هنا ما هو شائع حوله في مجتمعاتنا هذه الأيام تحديدا).

قد يقول البعض بأن التعليق ربما لا يكون أكثر من ردة فعل غير مقصودة من شخص ربما يتظارف مع المستمعين، أليست هذه الأساليب هي الرائجة هذه الأيام. لكن الأمر في كلتا الحالتين يجب أن يؤخذ بشيء من الجدية، أولا لأن الحديث لا يدور بين أشخاص يجلسون على مقهى ويثرثرون كما يحلو لهم وبما يحلو لهم، الحديث في الإذاعة، والإذاعة تصل لكل الناس والترويج للأفكار من خلالها عمل تسعى إليه كل المؤسسات ذات النفوذ لأنه حديث ينطبع في أذهان الناس والإذاعة مصدر مهم من مصادر الأفكار لما لها من مكانة هامة كجهاز إعلامي.

مذيع آخر في وقت سابق كان يتحدث عن صاحب له اتصل به ولم يسمع من الهاتف غير «خشخشات» كما قال، فما كان منه إلا أن طلبه ليتبين سبب المكالمة ولكنه وجد هاتف صاحبه مغلقاً. فقلقت عليه، يقول المذيع: ثم طلبته عن طريق هاتف المنزل، وحين رد علي، قال لي: انتظر قليلاً، ثم عاد ليقول بأن الشغالة وضعت «الكندورة» في الغسالة والهاتف النقال في جيبها، وربما كان الهاتف قد اتصل ليستغيث من الطوفان الذي وجد أنه يتعرض له.

المهم كان تعليق المذيع على الحادثة أنه انتهى الوقت الذي كانت فيه الزوجات هي التي تغسل ملابس أزواجها وتفتش في جيوبها قبل أن تضعها في الغسالة، لعلها كما قال تجد «نوط بو خمس اميه أو أكثر فتستولي عليه» أي أن الزوجة وهي تخرج الأشياء من جيوب زوجها قد تعثر على مبلغ من المال وتبقيه لنفسها. بمعنى آخر فإن الزوج هنا يتعرض للسرقة من قبل زوجته، أو هكذا يوحي الكلام.

مرة أخرى قد تقولون إن المذيع إنما يحاول التظارف، ومرة أخرى نقول ان هذه وسيلة إعلامية خطرة وان الأفكار التي تنشر من خلالها تؤثر في الناس أكثر من الأفكار التي يسمعونها من القريبين منهم، حتى وإن كان هؤلاء القريبون أكثر علماً وفهماً من المذيعين والمقدمين الذين يسمعونهم في الإذاعة.

مذيع آخر تعرض لموضوع يمس سلوكيات بعض الفتيات اللواتي قال عنهن إنهن يدرسن في إحدى جامعاتنا المحلية، وتعرض لاسم الجامعة كما تعرض للبنات بشيء من التشهير، وفي هذا أمر غير مقبول، أولاً لأنه لو حدثت سلوكيات غير مقبولة في مؤسسة من المؤسسات فيجب أن يتم التعامل مع الأمر ليس من منطلق الإثارة أو الإساءة وإنما من منطلق المعالجة، إذ هذا هو الدور المطلوب من الإعلام المسؤول.

ثم ان الحديث عن أعراض الناس أو الإساءة إليهم في وسائل الإعلام أمر يتنافى مع أخلاقيات العمل الإعلامي ويجب عدم التساهل معه، إذ ليس هذا هو المقصود بحرية الإعلامي ـ أن نعتبر ما يحدث من الناس من زلات، فيما لو حدثت ـ موضوعاً يجب استغلاله والحديث المسهب حوله. ثم ان مؤسسات التعليم لها حرماتها ويجب أن تعامل من هذا المنطلق. هذا بجانب أن المشكلات إن ظهرت في المجتمع فهناك من هم متخصصون في معالجتها ويجب أن يؤخذ رأيهم في الأمر وألا تترك التعليقات لمن هب ودب من الناس.

بنسبة أقل في درجة التأثير هناك أيضاً مذيعون يقدمون أحياناً على الهواء نصائح، بعضها يتعلق بمواضيع عامة وبعضها في مجال ما يسمى بالنواحي الجمالية، وبعضها في مجال الصحة. والذي يعرض في مجال الصحة يكون قد نشر في الغالب في إحدى أو كل الصحف المقروءة ولا يتحقق منه المذيعون أو المعدون بل يقدمونه على أنه نصائح طبية. نصائح لو اتبعت، وهي في الغالب تتبع، لأن كثيراً من الناس نسمع ونرى أنهم قاموا بشراء دواء أو منتج أو مادة غذائية بعد أن سمعوا معلومات حولها في الإذاعة، أقول لو اتبعت لتعرض الناس لكثير من المشكلات الصحية والمضاعفات.

على سبيل المثال، كثير من الناس يجهلون مثلاً أن البرتقال، وهو مادة غذائية مغذية بشكل عام، قد يتحول في بعض الأجسام إلى مادة ضارة، لأن متناولها قد لا تتناسب مع طبيعة جسمه، ناهيكم عن خطورة بعض الأدوية أو الترويج للجراحات التجميلية أو الحقن بالإبر السامة «البوتكس»، وكل هذا يقدم في الإذاعات أحياناً من منطلق الترويج.

ما يحكم نوعية الحوارات أو الكلمات المبثة في الكثير من إذاعاتنا ليس له على ما يبدو من معايير ثابتة أو ضوابط، بل هو في الواقع خاضع لأهواء المذيعين. كما أنه يعكس درجة ثقافتهم ووعيهم وإدراكهم للأمور. ونحن مدركون بأنه ليس من المطلوب من المذيع أن يكون واسع الثقافة، ولو أن هذا هو الأمر الذي يخلق التميز بينهم، إنما المطلوب على الأقل درجة بسيطة من الشعور بالمسؤولية تجعل اختيار العبارات والتعليقات مرتبط بالهدف الإعلامي التوعوي، لكننا حين نسمع أن القائمين على شؤون بعض وسائلنا الإعلامية يشجعون هذا النوع من العمل، أي طرح أي تعليق يصدر، حتى وإن كان سلبياً، فهنا المشكلة.

ترى متى سيكون هناك في محطاتنا، أو في الكثير من برامجها، حتى لا نظلم الجميع، إعلاميون يدركون حجم المسؤولية التي يحملونها وأثرها على الناس، وبالتالي، وانطلاقاً من هذا الشعور بالمسؤولية، يقيسون أفعالهم وانعكاساتها.

جامعة الإمارات

Email