نحن نقف على أكتاف العمالقة، ولقد كرّم الشعب الأميركي واحدة من هؤلاء برغم قصر قامتها وهي روزا باركس عندما ووري جثمانها الثرى قبل أيام في كابتول روتوندا.

لكن حتى ونحن نعبِّر عن إجلالنا لهذه المرأة لشجاعتها والتزامها التاريخي، لا ينبغي لنا أن نضفي طابع الرومانسية على رسالتها العظيمة.

لم تكن روزا باركس خياطة بريئة عندما رفضت التخلي عن مقعدها في الحافلة في مونتغومري بولاية ألاباما، فلقد كانت باركس مناضلة من أجل الحرية وعضواً في الجمعية الوطنية لتقدم الملونين عندما كانت هذه المنظمة محظورة في معظم أجزاء الجنوب الأميركي.

كانت رسالتها إنهاء سياسات التمييز العنصري في هذا البلد، وإشاعة مبدأ تكافؤ الفرص وتوفير الحماية لجميع الأميركيين على قدم المساواة بموجب القانون. في عام 1954 قضت المحكمة العليا بحظر التفرقة العنصرية بموجب الدستور. لكن هذا الحكم لم تكن له آثار مباشرة على الأرض.

حيث استمرت الولايات في تحدي القانون وتشويه سمعة المحكمة. وعند تلك المرحلة بدأ أنصار الفصل العنصري لأول مرة بالمطالبة بـ "مفسرين متزمتين للقانون" أي قضاة يدافعون عن التمييز العنصري باعتباره القانون القائم في البلد.

وبقي التمييز العنصري متخندقاً في مدارسنا ومواصلاتنا العامة ومجمعات الإسكان العامة وأماكن العمل وعمليتنا السياسية. وهكذا عملت روزا باركس وكثيرون غيرها لتحدي هذا الظلم القائم على الأرض.

ومن هؤلاء إميت تيل الذي أعدم من دون محاكمة في 28 أغسطس 1955. لكن العصابة التي أعدمته لم تُحاكم ومكتب التحقيقات الفيدرالي لم يحقق في الجريمة. وحُملت جثته إلى شيكاغو حيث حضر جنازته 155 ألف أميركي من أصل إفريقي.

وروت الصحافة الموجهة للسود، وفي طليعتها مجلة »جيت« قصة إميت تيل، فثار مجتمع الأميركيين السود بأكمله.ذات مرة سألتُ روزا باركس عن سبب رفضها النهوض من مقعدها والتوجه إلى مؤخرة الحافلة (كما طلب منها راكب أبيض أن تفعل)، فقالت:

"فكرت بإميت إيل، وقلت لنفسي لا يمكن أن أترك مقعدي، لقد دفعت الأجرة نفسها التي دفعها الآخرون، فلماذا أنهض من مقعدي؟ شعرت بانتهاك لكياني الإنساني، ما كان يمكن أن أرجع إلى مؤخرة الحافلة".

وبالطبع، فإن تصرفها هذا أدى إلى بزوغ دكتور مارتن لوثر كينغ وحركة مقاطعة الحافلات في مونتغومري. ومن مونتغومري إلى زيلما تطلب الأمر سنوات من الكفاح ومزيداً من التضحيات.

ومزيداً من الاعتقالات ومزيداً من التفجيرات ومزيداً من القتل، لكن في النهاية نجح ذلك النضال في إنهاء سياسات التمييز العنصري في هذا البلد وحرّر الجنوب وأعطى الأميركيين الأفارقة حق التصويت.

عندما رفضت روزا باركس أن تنهض وأن تسمح لراكب أبيض أن يأخذ مقعدها، رفض السائق الأبيض إكمال طريقه، وسارع ضابط الشرطة الأبيض إلى اعتقالها. وكان هؤلاء يتبعون الأوامر القانونية والسياسية والدينية في أيامهم.

لكن روزا كانت تتبع قانوناً أعلى شأناً وأحق بالاتباع من منظور أخلاقي. لقد اختارت العذاب المقدس على الراحة. ولو لم يقوموا هم بعملهم لفقدوا وظائفهم. ولو لم ترفض هي النهوض من مقعدها لفقدت كرامتها.

وهناك اليوم أناس يجلّون ذكراها صباحاً، بينما يعملون بعد الظهر للانقلاب على ميراثها، الرئيس بوش أعرب عن إجلاله لها ثم رشح لعضوية المحكمة العليا صامويل ألتيو، وهو مفسر قانوني متزمت مناصر لحقوق الولايات المتحدة ينتمي إلى عصر مضى.

وأليتو هذا مرشح »مفضل« بالنسبة لجناح اليمين المحافظ الذي وقف على الجانب المقابل لروزا باركس في التاريخ. ومن الواضح أن القاعدة القانونية التي ينطلق منها أليتو هي قاعدة مناوئة للحقوق المدنية وحقوق المرأة في تحقيق المصير والعمل. حتى أنه اكتسب لقب »ساكليتو« تيمناً بالقاضي أنطونين سكاليا، الذي كان القاضي الرجعي الأكثر تطرفاً في تاريخ المحكمة العليا.

وللتعبير عن التقدير الحقيقي لذكرى روزا باركس، نطالب بثلاث خطوات بسيطة:

أولاً تأييد مشروع القانون الذي تقدم به النائب جيسي جاكسون بوضع تمثال دائم لروزا باركس في القاعة الكبرى بمبنى الكونغرس، لإعطاء روزا فرصة للتحقديق في أنصار العبودية والتمييز العنصري الذين تصطف تماثيلهم في الكونغرس.

ثانياً: يجب على الكونغرس تمرير تمديد قانون حقوق التصويت الذي ستنتهي صلاحية بنوده الأساسية في 2007.

أخيراً، يجب على الكونغرس الوقوف ضد المرشحين القضائيين الذين من شأنهم أن يديروا ظهورهم لمبدأ تكافؤ الفرص للجميع. فنحن لا نحتمل الآن الرجوع إلى الوراء في الزمن إلى العصر الذي كان فيه القانون يعمل ضد حقوق المساواة.

إن ميراث روزا باركس في مأمن، لكن رسالتها لم تكتمل.

فلقد انتقلنا نحن الأميركيين الأفارقة من مؤخرات الحافلات في مونتغومري إلى المؤخرة في مهام الإنقاذ في نيوأورليانز. والآن بعد أن رحلت روزا، أصبح نضالها من أجل العدالة يقع على عاتق الأحياء. لقد ذهبت هي إلى السعادة السماوية وبقينا نحن لنحمل الشعلة من بعدها.

خاص لـ "البيان"