قليلة هي التقارير الصحافية الملفتة، لا لشيء سوى هجوم العولمة وكشف الاقاصي الارضية لمشاهد يمسك بنواصي المعرفة (المعلوماتية) بإمساكه جهاز التحكم بالتلفازعن بعد.
احد التقارير هذه، ما نشر في لندن: مليون حالة انتحار سنويا في العالم عدا الشرق الاوسط. هذه المنطقة التي ورثت العمليات الانتحارية من »الكاميكازي« الياباني.
الدراسة البريطانية هذه، بالطبع لا تتناول العمليات الانتحارية لا في الشرق الاوسط ولا غيره، بل تسلط الضوء على المنتحرين بعد الانزلاق الى حالات الاحباط والاكتئاب المرضية .
المثير في الموضوع انها تعزو الانتحار الى حرارة الشمس، وتتهمها بأنها وراء تبخر »مادة السعادة« من الدماغ، وهي مادة كيماوية تدعى "سيروتونين" توازن الضغوط النفسية.
الغريب ان المشرق العربي ومغربه ايضا، يتميزان بساعات مشمسة وقائظة طويلة، لكن حالات الانتحار نادرة على خلفية عثرات نفسية . ربما كانت غالبية سكان المنطقة مصابة باكتئاب من دون ان تدري، وبالتالي كفاها الله شرور ومخاطر الوعي على البيولوجيا.
مليون حالة انتحار سنويا، في ظل مستوى سطوع الشمس وحرارتها الحالية، فما البال حين تصل حرارة الارض الى مئة درجة مئوية بعد مئات آلاف السنين جراء الاحتباس الحراري وتبخر طبقة الاوزون؟
الى ذلك الحين، الذي بالتأكيد لن ندركه في فترتنا العمرية، لننشغل بما ندركه ويطرق ابوابنا يوميا من مسببات الاحباط والكآبة.لن نتحدث إطلاقاً عن نقص الحريات العامة والديمقراطية والعيش الكريم، فقد أضحت موضة قديمة جدا . الحداثة تتطلب ان نواكب ما يستجد في العالم بــ »روح التفاؤل«.
أبرز المستجدات مرض انفلونزا الطيور. هذه الصرعة القاتلة الآتية من تساؤلات تلاشت في الهواء، منذ ضرب »السارس« وقبله »الايدز«، من مثل : أين كانت هذه الفيروسات ومن أين أتت؟.
و»كعربي« قادر دوما على اصدار الفتاوى، اجزم انها أتت من مختبرات .لكن المحير هو ذلك »الخط السياسي« الذي بدأت تنتهجه الفيروسات هذه، من حيث استهداف الحيوانات لا البشر، بدليل ما تتابع بعد جنون البقر وكأن الحرب المقبلة موزعة في معارك ثروات، ومنها الحيوانية بالطبع.
تفاءلنا تماما بهبة العرب لمواجهة هذا الوباء الذي يهدد القوت والناس، لكننا لم ننعم طويلا بهذا التفاؤل، وبدأ الإحباط والاكتئاب في التسلل، بين نشرات الأخبار :
سويسرا تتجه الى حصد مليارات الدولارات من العلاج الذي بادرت اليه لمواجهة انفلونزا الطيور، الولايات المتحدة أيضاً صنعت علاجها الخاص، لكن بتكلفة عالية، فما كان من الهند الا ان سارعت هي الاخرى الى تصنيع علاجها الخاص . الصين أيضاً، وربما فيتنام لاحقا.
سهولة نسخ التكنولوجيا تسهل لاي كان تصنيع ما يشاء اذا امتلك مختبرا وعقلا بشريا، وحكومة مستعدة لتخصيص ولو نزر يسير من الموازنة للبحث العلمي .
حتما التفاؤل بالتأهب العربي في مواجهة انفلونزا الطيور تلاشى، فور مقارنة حالنا بغيرنا، فحتى الذين نعتبرهم على مقياس النمو الاقتصادي والحضاري ادنى منا يصنعون ادويتهم، بينما سنضطر نحن الى طرق ابوابهم طلبا للعلاج.
هذا لا اشعة الشمس والـ»سيروتونين« يدفع الى الاكتئاب، والتفكير مليا بالانتحار .. لكن بعطسة دجاجة بدل استجداء مدفوع الثمن للدواء !