أثبتت الطبيعة بأنها لا تزال القوة الأعظم على سطح كوكب الأرض على الإطلاق. فمهما تصور الإنسان بأنه بلغ أعلى مراتب القوة، وهي قوة قائمة أساسا ومنذ عهد التاريخ على الآلة - بعد أن تضاءلت قوته العضلية مع مرور الزمن وأصبحت لا تجدي أمام رصاصة صغيرة طائشة- فإنه حتى هذه اللحظة غير قادر على إيقاف غضب الطبيعة أو مواجهتها بكل ما يملك من تقنية متطورة. وأشد ما يستطيع القيام به أمامها هو الهروب لجهة الخلف أو الاستسلام لها.
وإذا صحت واحدة من بين عشرات النظريات وهي تلك التي تفترض بأن انقراض الديناصورات كان سببه الطبيعة نتيجة اصطدام نيزك متوسط الحجم بكوكب الأرض ما أدى إلى تغير في المناخ ونهاية حقبة هذه الكائنات، فإنه يبدو من الممكن أن يكون مصير الإنسان الانقراض أيضا بسبب الطبيعة.
ومنذ عدة أعوام قليلة أصبحت الظواهر الطبيعية أشد وأقوى وأكثر عنفا. فبعد ظاهرة النينو في عامي 1982 و1997 وما نتج عنها من أمطار غزيرة وفيضانات وسيول طينية قتلت وشردت الألوف، هزت محيط الأرض زلازل امتدت إلى مناطق شاسعة من الكرة الأرضية: اليابان، اندونيسيا، إيران ، تركيا (عشرات الآلاف)، مصر، منطقة شرق البحر المتوسط، الجزائر،
وخلال الأسبوع الماضي عادت الزلازل لتضرب من جديد تماما في المناطق المختلف على حدودها بين الهند وباكستان في كشمير! فخلفت وراءها أكثر من 000,40 قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحى و3 ملايين بلا مأوى!! وبالرغم من تطور علم الزلازل باستخدام أدق أجهزة الرصد إلا إن الإنسان ظل عاجزا عن توقع متى حدوثها وأين.
وفي العام الماضي ضرب التسونامي منطقة شرق آسيا بسبب زلزال بحري خلف موجات بلغ ارتفاعها عشرات الأمتار ضربت اندونيسيا وجزر تايلاند لتصل خلال ساعات قليلة إلى شبه القارة الهندية وبعدها قارة إفريقيا مخلفة الدمار والموت لأعداد من البشر لم تحص بعد بشكل نهائي إلا إنها تقدر بـ 000,150 قتيل و000,000,5 دون مأوى.
ولم تكد البشرية تلتقط أنفاسها حتى نقلت لنا الأقمار الصناعية موجة من السحاب دائرية الشكل لإعصار كاترينا متجهة إلى جنوب الولايات المتحدة الأميركية. ولم يصبح اليوم التالي إلا ومدن كاملة تغرق بمن بقي فيها وما فيها تحت الماء ومازالت الجثث تنتشل حتى هذه اللحظة.
ثم أعقبه إعصار ريتا مع فارق عدة أيام زرعت الخوف في قلوب من كان يتوقع مرور تلك السحابة الدائرة عليهم: فولوا هاربين بالملايين مخلفين وراءهم كل شيء... والجميع شاهد كيف امتد طابور السيارات التي كانت شبه مشلولة على مدى عدة كيلومترات بين الفوضى والفزع ونقص الوقود... بينما كانت الدائرة البيضاء تتقدم ببطء نحو سواحل ولاية تكساس الأميركية التي بدت مهجورة من معظم سكانها.
كل هذا كان يحدث بينما جميع الأسلحة التي كانت تمتلكها الولايات المتحدة من طائرات حربية وأساطيل بحرية وصواريخ تحمل أدق الرؤوس النووية والتي ما توقفت ترهب العالم بأسره بها بقيت مشلولة في مكانها غير قادرة حتى على تأخير ضربات الإعصار ثانية واحدة! وجن جنون البيت الأبيض وقامت الدنيا ولم تقعد وصغرت في أعين العالم كله أكبر قوة مسلحة على وجه البسيطة بل وفي التاريخ كله!
وإذا بهذا الديناصور الذي لم يرحم اليابس والأخضر يتوسل إلى الأغنياء والفقراء طالبا المساعدة وفاتحا باب التبرعات! ولم يصدق الناس أن ذلك يحدث أمام أعينهم لأعظم دولة في التاريخ! وانهالت يومها المساعدات والتبرعات من كل صوب، حتى من أصغر الدول وأفقرها، بين العطف والمؤازرة النفسية وبين السخرية!
ويبدو أن الكوارث لن تتوقف عند حد الزلازل والأعاصير والبراكين، فعلماء الطبيعة يدقون ناقوس الخطر ويتوقعون الأكثر سوءا مع بداية ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي نتيجة لزيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض أو بسبب ما يطلق عليه الاحتباس الحراري. بل إن هناك نظريات أخرى ترى بأن معظم الكوارث الطبيعية التي بدأت في التزايد منذ نهاية القرن الماضي كان سببها اختلال التناسب البيئي إضافة إلى التلوث.
بل إن هناك من الجيولوجيين من يرى بأن تكرار الزلازل في أفغانستان وإيران وباكستان والمناطق المحيطة بها في الآونة الأخيرة قد يكون مرجعه إلى القنابل التي استخدمت بإفراط في الحرب في أفغانستان والعراق وإلى التجارب النووية التي تجرى تحت الأرض.
أما ما يسترعي الانتباه حقا في حدوث مثل تلك الكوارث الطبيعية المتزايدة، هو التعاطف العالمي مع الدول المنكوبة. حيث تتنافس الدول في تقديم مساعداتها بشتى أشكالها. وتكون في كثير من الأحيان فرصة سانحة لتحسين العلاقات السياسية بين الدول التي توترت علاقاتها لسبب ما،
كما حدث بين اليونان وتركيا عندما ضرب هذه الأخيرة زلزال مدمر راح ضحيته عشرات الألوف من السكان، فسارعت اليونان بتقديم مساعداتها إلى تركيا فإذا بالعلاقات بين البلدين تصبح على أحسن ما يرام، بل أصبحت اليونان من بين الدول الأوروبية التي تدعو إلى انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن كانت من أشد المعارضين لذلك.
ومثل هذا التعاطف يثير الاستغراب أحيانا كثيرة. فلا تتواني الولايات المتحدة مثلا في عرض مساعداتها إلى ضحايا زلزال بام الإيرانية بينما هي نفسها تتحين الفرصة السانحة للانقضاض على الجمهورية الإسلامية بحجة دعمها للإرهاب. ونحن نعلم من خلال التجربة العراقية كم من أرواح الإيرانيين ستزهق لو هاجمت الولايات المتحدة الأميركية الجمهورية الإسلامية! وهي من تناقضات البشر التي ليس لها تفسير مقنع.
فإننا لا نستطيع أن نفهم كيف يمكن لدولة أن تضع كل إمكانياتها العسكرية لقتل أكبر عدد ممكن من سكان دولة أخرى في خلاف معها بينما في لحظة الكارثة تضع كل إمكانياتها - بما فيها كلابها المدربة - لإنقاذ بعض المدفونين تحت الركام!.إن البشرية أصبحت تحارب على جبهتين: جبهة الإنسان وجبهة الطبيعة... وتظل هي الخاسر الأول.
جامعة الإمارات