عميان جامع حلب .. صداقة مزقتها الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

بخشوع كبير بدأ بقراءة آيات القرآن، صوته مرتفع، يؤثر بكل من يسمعه، ويدفعه مشدوداً للتوقف والاستماع، هو الحاج عبد القادر، كان واحداً من الشيوخ العميان الموجودين في المسجد الكبير بحلب قبل أن تطاله يد الحرب والتدمير، أصبح اليوم من دون مأوى أو مصدر للدخل، يجلس على أحد أرصفة مدينته، لا يسأل العون من أحد، وإنما يكتفي بقراءة القرآن على المارة، ويتقبل بحزن ما تجود به أيديهم من بعض الليرات.

يقول الحاج عبد القادر: أفتقد الجامع كثيراً، كنت أسند ظهري على أعمدته، وأنسى الدنيا لأقرأ القرآن، كنا نعيش بهدوء وهناء وكان الجامع بمثابة منزل لنا، لقد تشردنا بالطرقات والشوارع.

كان ما تعرض له الجامع الكبير في مدينة حلب من تدمير على يد الجماعات المسلحة، كارثة على المدينة وعلى أهلها، الذين اعتادوا على هذا الصرح الديني.

أهالي حلب يحملون في ذاكرتهم الكثير عن الحاج عبد القادر وغيره من عميان الجامع الكبير، كانوا يشتهرون في الماضي بارتداء قبعة بيضاء وعصا وسبحة وجلباب أبيض، عاشوا عقوداً طويلة من الزمن بين جدران مسجد زكريا، كما يسميه أهل المدينة بدلاً من الجامع الكبير.  

علاقة صداقة

اعتمد هؤلاء العميان في حياتهم على صدقات أهل الخير، أو على عطايا القادمين للعبادة في المسجد، وكان يبلغ عددهم ما يقارب العشرين من العميان، يأتيهم الناس بالطعام والمأكل والملبس والنقود، ويطلبون منهم أن يقوموا بتلاوة آيات من القرآن على أرواح موتاهم.

مع الأيام تشكلت علاقة قوية بين هؤلاء العميان وسكان الحي، بالإضافة لسكان المدينة كافة، ويتحدث عنهم أحد التجار: «يأتي الناس للعميان «المباركين» وأغلبهم من النساء، فتجد امرأة تطلب من قارئ أعمى أن يقرأ لها سورة من القرآن، أو تقدم له الطعام وفاء لنذر قد نذرته، حتى إن أصحاب الدكاكين كانوا يقدمون لهم المساعدات المالية».

الجامع

ويقول شخص كان يواظب على زيارة الجامع يومياً للصلاة ويراقب عن بعد العميان: «يضع سره بأضعف خلقه»، ويتابع أنهم مُدهشون بالفعل، يتحركون في صمت ولا يتحدثون إلا بكلام طيب، خلقوا نوعاً من الألفة مع المكان، إذ خصصت لهم أماكن إقامة للعيش فيه، ومن يملك بيتاً أو غرفة خارج الجامع يأتي طوال اليوم وبدون كلل أو ملل يتلو القرآن ويكسب رزقه.

دمار الجامع فرقهم، ونسيهم الناس، هكذا وبكل حرقة قلب يقول الحاج عبد القادر عن حالته وحالة رفاقه من عميان الجامع يضيف: «أغلب رفاقي العميان هاجروا أو سافروا ومنهم من مات ورحل عن الدنيا، وقليل منا بقي في شوارع المدينة نتلو القرآن، ونعيش على الصدقات كما كنا، فلا مهنة ولا عائلة لي، ولا دخل أعيش منه! حالتي يرثى لها، كم أتمنى أن أبصر فقط لأشاهد الجامع وأعود كما كنت أعمى، لأعيش ما تبقى لي من حياتي فيه وأرحل وأنا مرتاح الضمير بين حجارته».

كلمات دالة:
  • الجامع ،
  • حلب،
  • الحاج عبد القادر،
  • القرآن
Email