في خطوة زلزلت أروقة "وول ستريت" ودوائر الحكم في واشنطن، فجّرت إمبراطورية دونالد ترامب التجارية مفاجأة من العيار الثقيل بدخولها عالم "الاندماج النووي"، وهو ما يصفه العلماء بـ "الكأس المقدسة" للطاقة النظيفة.
وبينما قفزت ثروة الرئيس بمئات الملايين في ساعات، تعالت صرخات خبراء الأخلاق من "تضارب مصالح" غير مسبوق في التاريخ الأمريكي؛ فهل يسخر البيت الأبيض موارد الدولة لخدمة استثمارات ترامب ، أم أننا أمام ثورة طاقة يقودها المال والسياسة معاً؟
صدمت مجموعة "ترامب للإعلام والتكنولوجيا" الأسواق المالية الأسبوع الماضي بإتمام صفقة اندماج بقيمة 6 مليارات دولار مع شركة " تي إيه إي للتقنيات " الرائدة في مجال طاقة الاندماج النووي والمدعومة من "جوجل".
ويأتي هذا السباق المحموم نحو ما يُعرف بـ (الطاقة النجمية) لكونها المحاكي الوحيد للعملية الفيزيائية التي تحدث في قلب الشمس والنجوم لإنتاج طاقة لا نهائية.
فبينما تعتمد المفاعلات النووية الحالية على "انشطار" الذرة، يسعى الاندماج النووي إلى "دمج" ذرات الهيدروجين معاً لإنتاج طاقة نظيفة تماماً دون نفايات مشعة خطيرة.
وببساطة، يحاول ترامب عبر هذه الصفقة السيطرة على تكنولوجيا بناء "شمس صغيرة" على كوكب الأرض، وهو الكنز الذي قد يمنح من يمتلكه مفاتيح السيطرة على اقتصاد العالم، خاصة مع توقعات وكالة الطاقة الدولية بأن يصل حجم سوق الطاقة النظيفة إلى 2 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030.
هذا الاندماج يعني أن الرئيس دونالد ترامب سيمتلك قريباً حصة مالية ضخمة في شركة ستتأثر ثروتها بشكل مباشر بقرارات الحكومة التي يترأسها، خاصة وأن قطاع الاندماج جذب استثمارات خاصة تجاوزت 7.1 مليار دولار وفقاً لتقارير (جمعية صناعة الاندماج - FIA).
وتكمن الحساسية السياسية في أن شركة ترامب ستنافس الآن على حصة من المنح الحكومية التي تخصصها وزارة الطاقة الأمريكية، والتي تجاوزت ميزانيتها مؤخراً حاجز 1.4 مليار دولار لدعم الأبحاث التجارية.
والمفارقة أن الصفقة تحتاج لموافقة منظمين فدراليين عينهم ترامب شخصياً، مما يضع نزاهة القرار الحكومي تحت مجهر التشكيك، خاصة بعد أن قفزت قيمة حصة ترامب بنحو 500 مليون دولار لتصل إلى 1.8 مليار دولار فور إعلان الصفقة.
ويرى ريتشارد بينتر، كبير مسؤولي الأخلاق في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، أننا أمام تضارب مصالح صارخ، مشيراً إلى أن كل رئيس أمريكي منذ الحرب الأهلية كان يتخلى عن مصالحه التجارية، إلا أن ترامب فعل العكس تماماً.
وتثير هذه الخطوة مخاوف من خلق "تأثير الهالة" حول شركة " تي إيه إي للتقنيات "، حيث يتوقع محللون في "وول ستريت" أن تحصل الشركة على دعم سياسي هائل يجعلها الرهان الأول لأمريكا.
هذا الدعم المحتمل يثير قلق الأكاديميين من تحول الشركة إلى "المفضل الحكومي" ليس بناءً على تقييم علمي موضوعي، بل بسبب علاقتها بالرئيس، مما قد يمنحها أفضلية غير عادلة على أكثر من عشرين شركة أخرى تنافس على القروض والمنح الفدرالية، مما يضر بالتنافسية الشريفة وبمصداقية المؤسسات العلمية.
من جهته، رفض البيت الأبيض هذه المخاوف واصفاً إياها بمحاولات إعلامية لفبركة تضارب مصالح، مؤكداً أن الرئيس وعائلته لم ولن ينخرطوا في مثل هذه الصراعات.
كما صرح الرئيس التنفيذي لشركة " تي إيه إي للتقنيات " ميشل بيندر باور، بأنه اختار الاندماج مع مجموعة ترامب لتوفير رأس المال اللازم، مؤكداً أنه لا يسعى لمعاملة خاصة.
ورغم نقل ترامب حصته إلى "صندوق استئماني" يديره ابنه دونالد جونيور، إلا أن خبراء الأخلاق يصفون هذه الخطوة بأنها عديمة المعنى من الناحية الواقعية، طالما ظل الرئيس هو المستفيد المالي الوحيد، مطالبين إياه بالتخلي الكامل عن استثماراته لتجنب أي شبهات تسيء لمنصب الرئاسة وتعرقل مسار تطوير طاقة المستقبل التي تمثل "خلاص البشرية".

