تحولت المنافسة بين شركتي نتفليكس وبارامونت للاستحواذا على شركة "ورنر برذرز" إلى معركة معقدة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والاحتكار، مع احتمال أن يكون القرار النهائي في أيدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحتى صناديق سيادية في العالم قد تساهم في ترجيح كفة أحد الطرفين في الصفقة العملاقة.
وبينما تبدو نتفليكس الأوفر حظاً بالنظر إلى رفض مجلس إدارة «وارنر برذرز» عرض الشركة المنافسة «بارامونت»، وأيضاً الحصة السوقية العملاقة لقيمة نتفليكس، فإن بارامونت تمتلك ورقة قد تكون محبطة لمنافستها، وهو الرئيس ترامب وعائلته والمتشددين اليمينيين في الحزب الجمهوري الذين يريدون التخلص من مسألتين تأتيان على رأس الأجندة الإعلامية والثقافية: شبكة سي إن إن التي تمتلكها شركة ورنر، والخطاب الثقافي لبرامج ومسلسلات نتفليكس التي تشجع الأجيال الجديدة - ثقافياً - على مناهضة خطاب وطريقة تفكير ترامب. وحتى يتحلص ترامب من هيمنة نتفلكس الثقافية وكذلك من "الإزعاج السياسي" لسبكة سي إن إن، فمن مصلحته أن تذهب صفقة الاستحواذ على ورنر برذرز إلى بارامونت.
ودأب معسكر المحافظين على شن حملات ضد نتفلكس التي تمثل القيم المضادة لحملة الرئيس ترامب الاجتماعية والأخلاقية. ويصف أنصار ترامب نتفلكس على أنها أقوى قلاع الحزب الديمقراطي في صناعة الاتجاهات السياسية والترفيه.
فكيف تنزلق هذه الصفقة لتصبح جزءاً من الاستقطاب السياسي الحاد في الولايات المتحدة؟
في التفاصيل، يقود ديفيد إليسون، نجل لاري إليسون، وأحد أغنى رجال العالم وحليف ترامب، شركة بارامونت العملاقة. وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، بات الرئيس ترامب يمتلك اليوم نفوذاً هائلاً على مستقبل وورنر براذرز. ويبدو هذا النفوذ واضحاً إلى حدٍّ دفع كلاً من ديفيد إليسون، المدير التنفيذي لباراماونت، وتيد ساراندوس، الرئيس التنفيذي المشارك لنتفليكس، إلى التحدّث مباشرةً مع ترامب لعرض حججهما المتنافسة.
وبوسع وزارة العدل الأمريكية أن تثير شتى أنواع الحجج المتعلقة بقوانين مكافحة الاحتكار أو أن تضع عقباتٍ أخرى أمام أي من المنافسين، لكن الشركتين تتصرفان بالفعل كما لو أن مصير أي صفقة بمليارات الدولارات سيمر عبر ترامب ودائرته. وعلى الأرجح، فإن هذا التقدير في محلّه وفق وول ستريت جورنال. فقد طلب ترامب أن يُبقى على اطلاع بأي تحقيق محتمل لمكافحة الاحتكار يتعلق بصفقة نتفليكس للاستحواذ على وارنر.
ويمثّل إليسون، نجل رئيس مجلس إدارة «أوراكل» التنفيذي وصديق ترامب لاري إليسون، أحدثَ قائدٍ أعمالٍ يدرك الفرصة الكبيرة التي قد تنشأ من تحالفٍ شخصي مع ترامب. فبعد الإعلان عن صفقة نتفليكس، اتصل إليسون الأب بترامب وأبلغه أن هذه الصفقة ستضرّ بالمنافسة.
وقد أشاد ترامب قبل أيام بالرئيس التنفيذي لنتفليكس تيد ساراندوس، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن الحصة السوقية الضخمة للشركة في مجال البثّ قد تمثّل «مشكلة»، مؤكداً أنه سيكون شخصياً جزءاً من أي عملية موافقة تنظيمية.
كما أدخل ديفيد إليسون صديقه جاريد كوشنر، صهر ترامب، في صفقة الاستحواذ المقترحة، وأثنى على ترامب خلال مقابلة على شبكة «سي إن بي سي» يوم الاثنين، وأكد إليسون أن صفقة شركته المدعومة مالياً من جاريد كوشنر قد تحظى بمسار أسرع للموافقة التنظيمية.
وإذا نجح إليسون، فستؤول شبكتا «سي بي إس» و«سي إن إن» التي كانت دائماً هدفاً لانتقادات ترامب، إلى سيطرة باراماونت. وقد قدّم إليسون تطميناتٍ لمسؤولين في الإدارة بأنه سيُجري تغييراتٍ على «سي إن إن» إذا اشترى وورنر. وقال ترامب لمقرّبين منه إنه يريد ملكيةً جديدة لـ«سي إن إن» إلى جانب تغييرات في برامجها. لذلك، نظرياً وسياسياً، فإن من مصلحة ترامب أن تسيطر عائلة إليسون على شبكات إخبارية لا يتردد ترامب في تصنيفها في خانة الترويج للأخبار المضللة والمتحيزة ضده، وعلى رأسها شبكة سي إن إن.
في موازاة ذلك، شنّ عدد من المؤثّرين اليمينيين ضمن معسكر «أميركا أولاً» حملة علنية ضد نتفليكس، متّهمينها بأنها مقرّبة من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وتعمل كمنصّة ذات ميول ديمقراطية، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
وكتب الناشط اليميني جاك بوسوبيك في منشور على منصة «إكس» إن «القضية برمّتها تتعلّق بسيطرة عائلة أوباما على الإعلام»، مشيراً إلى الاتفاق الذي أبرمته نتفليكس عام 2018 مع شركة إنتاج مملوكة لباراك وميشيل أوباما.
ووصف مقدّم البرامج المحافظة بيني جونسون صفقة نتفليكس، التي تبلغ قيمتها نحو 83 مليار دولار، بأنها «أخطر عملية احتكار إعلامي في تاريخ الولايات المتحدة»، محذّراً من أن «المموّلين الكبار للحزب الديمقراطي الذين يديرون نتفليكس سيحصلون على احتكار لمحتوى الأطفال الترفيهي». وقد جرى تداول منشوره على نطاق واسع آلاف المرات.
وشاركت في الحملة أيضاً لورا لومر، المعروفة بقربها من ترامب، والتي ركّزت، إلى جانب آخرين، على وجود سوزان رايس المستشارة السابقة للأمن القومي في إدارة أوباما وسفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، في مجلس إدارة نتفليكس، بوصف ذلك دليلاً على ما تعتبره «توجهاً سياسياً ليبرالياً» للمنصّة.
ويأتي هذا التصعيد في سياق جدل واسع يحيط بإحدى أكبر صفقات الاندماج الإعلامي المحتملة في التاريخ الأميركي الحديث، حيث يرى مراقبون أن المؤثّرين اليمينيين يسعون إلى حشد الرأي العام المحافظ والضغط على إدارة ترامب، التي تملك صلاحيات قانونية واسعة لمراجعة الصفقة بموجب قوانين منع الاحتكار، وقد أظهرت سابقاً استعدادها للتدخل في صفقات إعلامية كبرى.
