بينما كان العالم يترقب رسالة وحدة ودعم لا يتزعزع لأوكرانيا، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المراقبين بتحويل اللقاء الدبلوماسي الرفيع مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى استعراض فردي للادعاءات غير المدعومة بالحقائق.
لقد تجاوزت تصريحات ترامب حدود المبالغة المعتادة، لتصل إلى مستوى إعادة كتابة التاريخ العسكري للحرب الروسية في أوكرانيا، مقدماً تفسيرات واهية ومبهمة لفشل الجيش الروسي في السيطرة على كييڤ.
هذا التناقض الصارخ بين الوعود السياسية وحقائق الميدان يثير تساؤلات جدية حول النوايا الحقيقية وراء هذه السرديات المضللة، يكشف الموقف مدى سهولة استغلال القضايا الدولية الحرجة لخدمة أجندات داخلية، حتى لو كان الثمن هو تشتيت الانتباه عن الدعم اللازم لحليف يواجه صراعاً وجودياً.
أطلق الرئيس دونالد ترامب مزاعم كاذبة متعددة للصحافة خلال اجتماع يوم الجمعة الماضي في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. شملت هذه المزاعم ادعاءً طال تفنيده حول الحرب في أوكرانيا.
كما كرر ترامب ادعاءه الزائف المعتاد بأنه "حلّ أو أنهى" ثماني حروب، وهو تضخيم كبير للواقع، حيث أن هذا الرقم يحتسب نزاعين لم يكونا حربين فعلياً وحرباً لا تزال مستمرة. وقدم ترامب أيضاً نسخة من ادعاء زائف بدأه يوم الخميس، زاعماً أنه لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن أنهى حرباً.
كرر ترامب تاريخه الزائف السابق بشأن الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، زاعماً أن روسيا فشلت في كسب الحرب خلال أسبوع واحد فقط لأنها قررت الغزو عبر أرض موحلة بدلاً من استخدام الطرق السريعة.
قال ترامب: "لقد علقوا في الوحل. كانوا سيصلون إلى كييڤ بسرعة كبيرة. كانوا يتجهون إلى كييڤ"، مضيفاً بعد لحظات: "تلك كانت لحظة مثيرة جداً للاهتمام. عندما بدأت الدبابات بالتحرك وقال جنرال لامع: 'دعنا نذهب عبر الوحل بدلاً من النزول إلى الطريق السريع'. أليس كذلك؟ لذا فقد حالفهم قليل من الحظ".
هذا الادعاء لا يتوافق مع الواقع، فقد أشار محللون عسكريون وأوكرانيون متعددون إلى أن روسيا حاولت وفشلت في الوصول إلى كييڤ باستخدام الطرق والطرق السريعة.
بل أُحبطت دباباتها بفعل المقاومة الأوكرانية الشرسة والمشكلات اللوجستية، بالإضافة إلى الظروف الموحلة. أكد روب لي، الزميل البارز في برنامج أوراسيا، أن "القوات الروسية استخدمت الطرق السريعة قدر الإمكان خلال الغزو الأولي، وتكبدت خسائر فادحة على العديد منها.
أحد العوامل التي أعاقت غزو روسيا هو أنه لم يكن هناك الكثير من الطرق السريعة الجيدة المؤدية من بيلاروسيا إلى كييڤ، مما ضيّق تحرك قواتهم". حتى مسؤول في البيت الأبيض، رد على "سي إن إن" شريطة عدم الكشف عن هويته في أغسطس، ذكر أن الدبابات الروسية علقت في الوحل خلال الغزو وحتى قبله، لكنه أشار إلى مقال يتناقض مع مزاعم ترامب، حيث ذكر المقال بوضوح أن "الروس غزوا باستخدام الطرق السريعة الرئيسية في أوكرانيا متوقعين هجوماً خاطفاً يستغل السرعة والقوة النارية الهائلة للسيطرة على العاصمة كييڤ".
كرر ترامب ادعاءه بأن "بقدر علمي لم يكن لدينا رئيس حلّ حرباً واحدة قط. ليس حرباً واحدة... الكثير منهم يبدأون حروباً، لكنهم لا يحلون الحروب، ولا يسوونها". هذا السرد لا أساس له من الصحة تاريخياً.
لعب رؤساء أمريكيون أدواراً رئيسية في إنهاء حروب عن طريق الانتصار، بما في ذلك الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، وحرب الخليج. بالإضافة إلى ذلك، توسط رؤساء في العديد من اتفاقيات السلام في حروب لم تكن الولايات المتحدة طرفاً فيها؛ فاز الرئيس ثيودور روزفلت بجائزة نوبل للسلام عام 1906 لإنهاء الحرب الروسية اليابانية، ولعب الرئيس جيمي كارتر دوراً كبيراً في اتفاقية السلام لعام 1979 بين مصر وإسرائيل، وساهم الرئيس بيل كلينتون في اتفاقية السلام لعام 1995 التي أنهت حرب البوسنة.
زعم ترامب، كما فعل لسنوات، أنه منح أوكرانيا صواريخ جافلين المضادة للدبابات، بينما الرئيس السابق باراك أوباما "أعطاهم ملاءات".
صحيح أن ترامب قدم صواريخ "إف جي أم-148 جافلن " وأسلحة أخرى، وأن أوباما امتنع عن ذلك.
لكن أوباما لم يقدم لأوكرانيا مجرد ملاءات (أو وسائد وملاءات)، بل قدمت إدارته أكثر من 600 مليون دولار من المساعدات الأمنية بين عامي 2014 و 2016، شملت رادارات مضادة للمدفعية وقذائف الهاون، وعربات هامفي مدرعة، وطائرات تكتيكية مسيرة، ومعدات للرؤية الليلية ولوازم طبية !
كرر ترامب زعمه الكاذب بأن انتخابات 2020 "زُورت"، علماً بأنه خسر شرعياً انتخابات نزيهة أمام جو بايدن، كما كرر زعمه الكاذب بأنه، من خلال الرسوم الجمركية، "جمعنا مئات المليارات من الدولارات في فترتي الرئاسية الأولى من الصين".
الحقيقة هي أن المستوردين الأمريكيين، وليس الصين أو غيرها من الدول الأجنبية، هم من يدفعون الرسوم الجمركية للحكومة الأمريكية، وغالباً ما ينقلون على الأقل بعضاً من تكاليفهم إلى المستهلكين.
وقد وجدت دراسات متعددة، بما في ذلك دراسة من لجنة التجارة الدولية الأمريكية، أن الأمريكيين تحملوا تقريباً التكلفة الكاملة لرسوم ترامب الجمركية على المنتجات الصينية في ولايته الأولى.
وفي ادعاءً زائفاً اخر كان قد أطلقه مراراً خلال فترته الرئاسية الأولى، وزعم هذه المرة أيضاً أن سيناتورة ديمقراطية نافذة، وهي السناتورة مايزي هيرونو من هاواي، "أرادت نفقاً من البر الرئيسي إلى هاواي، ثم قالت، 'حسناً لا يمكننا فعل ذلك، لذا سنبني سكة حديد إلى هاواي'. هل تتذكرون؟" وقد جاءت هذه الإشارة الساخرة والمفبركة في سياق تشويهه لخصومه السياسيين.
لكن الحقيقة هي أن السناتورة هيرونو لم تدعُ أبداً لمثل هذا النفق الضخم تحت البحر أو لمشروع سكة حديد يربط هاواي بالبر الرئيسي. وفي الواقع، كان ترامب يشوه بشكل متعمد حواراً حقيقياً ومحدوداً أجرته هيرونو مع أحد المراسلين في عام 2019.
خلال ذلك الحوار، كانت هيرونو تعلق على إمكانية إيجاد حلول للتخفيف من حركة المرور الكثيفة في هونولولو، وقد أُسيئ تفسير أو اقتطاع تعليقاتها المتعلقة بمشاريع البنية التحتية، ليتم تحويلها إلى مطالبة سخيفة بإنشاء نفق أو سكة حديد بين القارات؛ وهو ما لم يكن جزءاً من خطابها أو اقتراحاتها على الإطلاق. وقد تم تفنيد هذه القصة وتوضيح سياقها الحقيقي في حينه.
