مسلحون يخترقون الإعلام الأمريكي.. البودكاست هل أصبح بوابة "المؤامرة" للبيت الأبيض؟

يُشكّل المضيف شون رايان، العنصر السابق في قوات النخبة البحرية الأمريكية  والبالغ من العمر 43 عاماً، ظاهرة إعلامية فريدة من نوعها تنبع من قلب تينيسي، لا يقتصر برنامجه "ذا شون رايان شو" (The Shawn Ryan Show) على الحوارات الهادئة، بل يمتد ليشمل إطلاق النار التنافسي بمسدس كولت أناكوندا عيار 44 ماغنوم، حيث يتسابق رايان مع ضيوفه لإصابة الأهداف في ميدان الرماية الخاص به.

الطقوس الغريبة تأتي كجزء من "استراحة" للحوارات العميقة التي قد تستمر 8 ساعات وتصبح "ثقيلة الوطأة"، فى ظل مزيج شخصي تمثل الروح الاستقلالية المتشدده ، والقيم العائلية، وعدم الثقة في المؤسسات الحكومية، هو ما صنع من رايان نجماً محافظاً واسع الانتشار، مدعوماً بشراكة تجارية كبرى مع شركة تصنيع الأسلحة SIG Sauer، ما يضعه في قلب ثقافة السلاح.

ويكمن الجانب الأكثر إثارة للجدل في خلفية رايان المهنية التي تضعه في صراع داخلي مع رسالة برنامجه، قبل تحوله إلى مضيف بودكاست، لم يخدم رايان فقط في القوات الخاصة للبحرية الأمريكية لفترة قصيرة، بل كانت له أيضاً مسيرة أطول كـ متعاقد أمني عمل مع شركة" بلاك ووتر" (Blackwater) ووكالة المخابرات المركزية (CIA).

فى الوقت الذي لا تقتصر علاقة شون رايان بـ دونالد ترامب على استضافة المرشحين الرئاسيين فحسب، بل هي علاقة تشير إلى نفوذ أعمق، و يعتبر رايان جزءاً أساسياً من دائرة الاتصال الإعلامية المحافظة التي يثق بها ترامب!!

تجلي النفوذ

ويتجلى هذا النفوذ في نوعية ضيوفه الذين يتم اختيارهم لاحقاً لمناصب عليا في الإدارة الجديدة؛ فمجرد ظهورهما في برنامجهما أصبح بمثابة مقابلة عمل غير رسمية للمناصب الوزارية، كما أن تقاسم رايان للمحامي مع وزير الدفاع بيت هيغسيث، وحواراته المباشرة مع كاش باتيل،  وهو بذلك يؤكد أن برنامجه ليس مجرد منصة إعلامية، بل قناة تواصل فعّالة وموثوقة للنخبة السياسية اليمينية.

هذا القرب من صناع القرار يضع علامات استفهام حول مدى حيادية رايان، خاصةً عندما يهاجم المؤسسات التي يخدمها حلفاؤه السياسيون الجدد.

الآن، يشن رايان حرباً كلامية ضد "المجمع الصناعي العسكري" الذي عمل لخدمته يوماً ما، قائلاً لـ جو روغان في حوار سابق: "لا أعتقد أننا الأخيار بعد الآن، أنا فقط أتعمق في حفرة الأرنب (Rabbit Hole)، وأغوص في المجمع الصناعي العسكري، وجميع الأكاذيب التي كانت الحكومة تخبرنا بها".

هذا التناقض الجذري فى مسار برنامجة  الذي يعج  مسلحون يخترقون الإعلام الأمريكي  يمنح رايان مصداقية فريدة لدى قاعدة جمهوره الرافض للمؤسسات، و هنا نطرح سؤالاً جوهرياً،  هل أصبح البودكاست بوابة "المؤامرة" للبيت الأبيض؟

علاقات متشعبة

فمنذ انطلاق البرنامج عام 2019، استغل رايان تاريخه وعلاقاته القوية بالمحاربين القدامى ليتحول إلى شخصية مؤثرة قريبة من الدائرة الداخلية للرئيس ترامب، حيث يتحدث مباشرة مع شخصيات رفيعة المستوى مثل كاش باتيل (مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي) ويشترك بمحامٍ مع بيت هيغسيث (وزير الدفاع).

ورغم أن البرنامج بدأ كمنصة للمحاربين القدامى، إلا أن رسالته الأساسية تحولت إلى رسالة بسيطة ومُركزة،"كل مؤسسة تخفي الأسرار، والنُخَب تكذب للحفاظ عليها، والنظام موجود لسبب واحد" تدميرك".

هذه الرسالة أدت إلى تصدر البرنامج مؤخراً المرتبة العاشرة على منصة "سبوتيفاي"، وتجاوز عدد المشتركين في قناته على يوتيوب 5 ملايين مشترك، حتى في الحلقات التي تتناول مواضيع تلامس نظريات المؤامرة، مثل "الرابط الصادم بين التوحد، والتخاطر، والسفر عبر الزمن".

تحول البرنامج إلى محطة أساسية في الجولات الإعلامية للمرشحين الجمهوريين قبل انتخابات 2024، ومن أبرز ضيوفه كانوا المرشح آنذاك ترامب، وكاش باتيل، وروبرت إف. كينيدي الابن الذي أصبح وزيراً للصحة.

كما ظهرت شخصيات مثل هيغسيث ووزيرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد قبل ترشيحهما لمناصبهما الرسمية، وعن ذلك قال رايان بفخر: "أنا في الأساس أجريت المقابلة التي تحدد وزير الدفاع"!!

رفض الفرص

ومع ذلك، يشدد رايان على أنه ليس مجرد ناطق بلسان الإدارة، ويؤكد هذا الموقف برفضه لفرص "الوصول غير الحصري" (مثل زيارة البيت الأبيض)، وأشار إلى حواره الذي استمر 4 ساعات مع حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافين نيوسوم كدليل على رغبته في سماع وجهات النظر المختلفة، شاكراً نيوسوم على الظهور في البرنامج، قائلاً إنه كان من "الصعب للغاية إحضار شخص يفكر بشكل مختلف عني".

هذه الشهرة المتنامية تعود عليه بفوائد مالية جمة؛ فقد أبرم اتفاقية توزيع ومبيعات للبودكاست مع شركة "داي لايت ميديا"، وهو ما يُقدر له أن يجني من ورائه أكثر من 10 ملايين دولار سنوي

تخطى إجمالي مشاهدات محتوى البرنامج حاجز المليار مشاهد،  هذا الوصول الهائل لم يقتصر على يوتيوب؛ ففي تصنيفات البودكاست الأمريكية، أصبح البرنامج عنصراً ثابتاً ضمن أفضل 15 بودكاست في الولايات المتحدة (حسب تقارير "بودتراك" و "إديسون ريسيرش" لعام 2024 بل ووصل في ذروة انتشاره إلى المرتبة الأولى (#1) على منصة سبوتيفاي، متفوقاً مؤقتاً على العناوين الكبرى في الصناعة، تؤكد تحول شون رايان إلى قوة إعلامية مهيمنة تتجاوز حدود الإعلام التقليدي

أما شركته "فيجلانس إيليت" (Vigilance Elite)، التي بدأت كخدمة تدريب تكتيكي، فقد باتت الآن تشرف على البودكاست وتبيع منتجات متنوعة، وسلسلة صوتية عن كيفية تأثير "الحرب النفسية" على الثقافة والعقول.

الصراخ بأعلى صوت مرتين

ورغم انتقاداته الصريحة لما يسميه "المجمع الصناعي العسكري"، يفضل رايان الابتعاد عن السلبية المستمرة التي يتبناها بعض المضيفين، قائلاً: "أنا لا أصرخ بأعلى صوتي مرتين في الأسبوع بأن البلاد على وشك الانهيار أو ما شابه."

إنه يركز على تمكين ضيوفه من التعبير عن آرائهم مطولاً دون مقاومة، ويبقى "الخبز والزبدة" وذلك في إشارة إلى الحوارات المفتوحة والمؤثرة مع المحاربين القدامى  ل حول أعمق صدماتهم.

لا يقتصر نقد رايان على البيروقراطية العسكرية الكبرى فحسب، بل يمتد ليشمل ما يسميه هو وضيوفه بـ "مجمع المحاربين القدامى الصناعي" (Veterans Industrial Complex).

ومن جانب اخر يهاجم رايان وزارة شؤون المحاربين القدامى (VA)، واصفاً إياها بأنها بيروقراطية ضخمة تضع مصالحها الخاصة فوق رعاية المحاربين.

ويؤكد رايان، إلى جانب ضيوفه مثل بيت هيغسيث، أن هذه البيروقراطية تعيق الرعاية الفعالة، حيث يضطر المحاربون إلى قطع مسافات طويلة وانتظار مواعيد لأشهر، بينما كان يمكن علاجهم بسهولة في مجتمعاتهم المحلية لو سُمح لأموال الرعاية بمتابعتهم خارج نظام الـ (VA) المركزي.

يرى رايان أن هذا النظام يهدف إلى الحفاظ على "مصدر دائم للأموال" للبيروقراطيين بدلاً من خدمة الجنود.

أيديولوجية اليقظة

يربط رايان وضيوفه التدهور في الروح المعنوية وقدرة الجيش القتالية بتبني "أيديولوجية اليقظة" ، فهم ينتقدون قادة الجيش رفيعي المستوى للسماح لبرامج التنوع والشمولية والإنصاف  بالانتشار، مدعين أن هذا يُضعف الجاهزية القتالية ويساهم في انهيار التجنيد.

يرى رايان أن التركيز المفرط على القضايا الاجتماعية والسياسية يُنفّر الديموغرافيا التقليدية والوطنية التي كانت تنضم تقليدياً إلى الجيش، ويجب العودة إلى القيم القتالية العسكرية الصارمة والتقليدية كأولوية قصوى لضمان الأمن القومي.

و من جانب أخر يتعرض رايان وبرنامجه لتحليل نقدي واسع في وسائل الإعلام الأكاديمية واليسارية، حيث يرى البعض أن برنامجه يقدم "منصة لأيديولوجية متطرفة ونظريات مؤامرة".

يركز هذا النقد على استضافة رايان المتكررة لضيوف يروجون لمزاعم غير مدعومة حول "الدولة العميقة" أو الأجسام الطائرة المجهولة، مع غياب شبه كامل لـ "الدفع النقدي" (Pushback)، مما يحوّله إلى "ناقل موثوق لأفكار النخبة المحافظة".

ويُنتقد البرنامج أيضاً لكونه يروج لـ "رجولة متطرفة"، بينما يثير التساؤلات حول التناقض الأخلاقي بين هجوم رايان على المؤسسات وتحقيق ملايين الدولارات من الشراكات التجارية الكبرى.