لماذا لم ينجح ترامب في وقف حرب أوكرانيا؟

منذ حملته الانتخابية الثانية، وامتداداً إلى تصريحات لاحقة خلال ولايته الحالية بشأن الحرب في أوكرانيا، كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القول بثقة إنه قادر على وقف حرب أوكرانيا، مؤكداً أن الولايات المتحدة يمكنها فرض حل سريع للنزاع، بل حدد في مناسبات عدة أربعاً وعشرين ساعة لإنجاز المهمة.

على أي حال ينظر دائماً لخطابات ترامب وتصريحاته على أنها تتسم بالتقلب والتناقض في كثير من الأحيان، والقضية الروسية الأوكرانية ليست استثناء، فهو تارة يقول إن القوات الروسية «تقاتل بلا هدف»، وإن «الاقتصاد الروسي ينهار»، وإن أوكرانيا تستطيع استعادة أراضيها بسرعة إذا تدخلت واشنطن بشكل حازم، وتارة أخرى يتحدث عن احتمال أن تسيطر روسيا على كل أوكرانيا، إذا لم يوافق رئيسها فولوديمير زيلينسكي على وقف الحرب، وقبول تنازلات في موضوع الأرض.

أياً كانت طبيعة ترامب، فإن قوته ليست ذاتية، بل خلفها اتجاهات ومراكز قوى تقليدية وناشئة. صحيح أن كثيرين من العارفين بطبيعته يرون أن تصريحاته عن وقف الحرب لم تكن مجرد وعود انتخابية، بقدر ما تعكس رغبة حقيقية لأداء دور المحرك الأساسي لأي تسوية، لكن الصحيح أيضاً أنهم يدركون أن إرادته تصطدم بالواقع المعقد على الأرض، وفي الداخل الأمريكي، وبسياسات الدول ذات العلاقة، وبخاصة أوروبا، وهو ما أظهر فجوة كبيرة بين «الرغبة الشخصية» والقدرة الفعلية على تحقيقها.

في الجانب الأوكراني ظهرت ديناميكية دقيقة متغيرة تبعاً لتصريحات ترامب ومواقف أوروبا. زيلينسكي قال في أغسطس الماضي إنه مستعد لمناقشة موضوع الأراضي إذا وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على لقائه ثنائياً أو بوجود ترامب، مشترطاً توفير ضمانات أمنية واضحة لأوكرانيا. هذه المواقف تشير إلى مرونة محدودة، لكن الرئيس الأوكراني يقرنها بالحديث عن غياب إرادة روسية حقيقية للتفاوض، وهو الموقف الذي يعبر عنه كثير من الأوروبيين، وأحياناً واشنطن.

مواقف أوروبا

في المقابل، تتهم موسكو دولاً أوروبية فاعلة بأداء دور يدفع باتجاه استمرار الحرب في إطار السيطرة الاستراتيجية والمراهنة على إضعاف روسيا عبر ابتزازها، رغم أن العديد من الساسة والخبراء في أوروبا والعالم يشيرون إلى عدم وجود أي مؤشرات على نجاح هذه المراهنة.

ووفقاً لمعهد كيل، قدمت الدول الأوروبية نحو 95 مليار دولار من الدعم العسكري لأوكرانيا، مقارنة بـ75 مليار دولار من الولايات المتحدة، ما يعكس رغبة أوروبية في تمكين كييف من الاستمرار في الحرب، وعدم منح روسيا أي مكسب واضح.

وكانت لافتة في الآونة الأخيرة حوادث ظهور مسيرات في سماء بولندا ودول أخرى مع توجه الاتهامات بالتصريح أو التلميح إلى موسكو، والتي فُسرت من جانب بعض المحللين على أنها جزء من استراتيجية أوروبية للحفاظ على الضغط العسكري والسياسي على روسيا ومنع أي اتفاق تكون واشنطن طرفه الآخر مع أوكرانيا ومن دون الأخذ بالاعتبار مصالح أوروبا.

ولم يكن التصعيد الأوروبي دائماً معلناً، لكنه كان مرئياً في تنقل الأسلحة، وتحركات القوات وتدريبات الدفاع الجوي في المناطق الحدودية، بما فيها بحر البلطيق.

ممانعة داخلية

أما داخل الولايات المتحدة، فإن ترامب يواجه قيوداً صارمة؛ الكونغرس، وأجهزة الاستخبارات، والبيروقراطية العسكرية، وجميعها تعمل كحاجز أمام أي محاولة لوقف الحرب. نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس قال في سبتمبر المنصرم إن أي محاولة لتسوية سريعة ستصطدم بالمعارضة الداخلية، وبخاصة من الجمهوريين التقليديين، وليس فقط من الديمقراطيين الذين يخشون أن تخرج روسيا منتصرة إذا تم التوصل لاتفاق عاجل.

ويرى محللون أن هذه القيود الداخلية، رغم أنها تظهر أحياناً كمجرد ممانعة بيروقراطية، لكنها تعكس تقديرات استراتيجية لخطورة، حقيقية أو افتراضية، لأي تحرك أمريكي أحادي مع روسيا.

الواقع الميداني

الواقع العسكري، وهو ربما العامل الحاسم، يزيد من صعوبة أي تدخل مباشر، فالحرب تحولت إلى صراع استنزافي، مع خطوط تماس مستقرة نسبياً، ومعارك متقطعة أحياناً وحامية أحياناً أكثر، مع تقدم روسي متواصل على الأرض.

هذا المشهد الميداني يصعب التعامل معه من جانب الغرب، وبخاصة أمريكا، إذ إن أي إرسال للقوات الأمريكية أو الضغط العسكري المباشر على روسيا قد يؤدي إلى مواجهة أوسع وربما إلى حرب عالمية، وهو ما ترفضه واشنطن وبروكسل على حد سواء.

وحتى الدعم العسكري لأوكرانيا، رغم كثافته، لا يضمن ضغطاً كافياً لإجبار موسكو على تغيير أهدافها المعلنة، وهي الاعتراف بضمها أربع مقاطعات من أوكرانيا، وعدم انضمام الأخيرة لحلف الناتو، ما يجعل أي دعم غربي لكييف يقتصر على تحسين موقفها التفاوضي وتأجيل الانتصار الروسي.

يقول مايكل ماكنمارا، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، إن هذا المزيج من العوامل المتعارضة يجعل أي اتفاق سريع شبه مستحيل، ويحول تصريحات ترامب إلى طموح شخصي مصطدم بواقع معقد.

ولذلك فإن ثمة تبايناً في تفسير تصريحات ترامب بين من يرى أنها محاولة لتعزيز صورته كقائد قادر على فرض السلام ونيل جائزة نوبل، ومن يرى أنها تعكس تقديراً خاطئاً لتعقيدات النزاع وتداخل المصالح الروسية والأوكرانية والأوروبية بطريقة تمنع أي حلول سريعة.