الدبلوماسية التكنولوجية.. كيف يعيد ترامب تشكيل أدوات النفوذ الأميركي؟

من يتابع زيارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخارجية في العامين الأخيرين، وآخرها زيارته المرتقبة خلال ساعات إلى بريطانيا، يلاحظ ظاهرة لافتة: كبار رؤساء شركات التكنولوجيا الأميركية يرافقونه في هذه الجولات كما لو كانوا جزءاً من طاقم السياسة الخارجية. مشاهد حضور شخصيات مثل جنسن هوانج (إنفيديا)، وسام ألتمان (أوبن إيه.آي)، ومسؤولي جوجل ومايكروسوفت إلى جانب ترامب، تكشف عن تحوّل عميق في طريقة إدارة واشنطن لعلاقاتها الدولية، حيث تحل «قوة الابتكار» محل الأدوات الدبلوماسية التقليدية أو تكملها على الأقل.

من المقرر أن يحضر عدد من كبار رجال الأعمال، من بينهم الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جنسن هوانج إلى جانب سام ألتمان من أوبن إيه.آي، في حين أعلن مسؤولون أمريكيون كبار أمس الاثنين أن صفقات تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار ستُكشف خلال الزيارة.

في العموم، يعبر هذ التحول عن إدراك أميركي متزايد بأن موازين القوى العالمية في القرن الحادي والعشرين تتحدد ليس فقط بحجم الجيوش أو الترسانات النووية، بل أيضاً بقدرة الدول على السيطرة على التكنولوجيا الفائقة وسلاسل القيمة المرتبطة بها. ما تفعله إدارة ترامب هو دمج هذه الرؤية في صميم الدبلوماسية الأميركية: كل زيارة رئاسية تتحول إلى منصة لجذب الاستثمارات، توقيع صفقات ضخمة، وتعزيز النفوذ في قطاعات حساسة مثل الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة المتقدمة.

ما نشهده يمكن وصفه بأنه شكل جديد من «رأسمالية الدولة الأميركية»؛ إذ توجّه الإدارة شركات القطاع الخاص لتكون أذرعاً تنفيذية لأهداف السياسة الخارجية. في زيارته إلى بريطانيا هذا الأسبوع، أُعلن عن صفقات تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار تشمل استثمارات ضخمة لجوجل في مراكز بيانات لدعم الطلب على خدمات الذكاء الاصطناعي، بحضور رموز وادي السيليكون.

الدبلوماسية الاقتصادية

ولم تتخل الولايات المتحدة يوماً عن أدوات القوة الناعمة الاقتصادية، لكن الجديد هو أن التكنولوجيا باتت مركز الثقل. في زيارات ترامب إلى الهند وكوريا الجنوبية، رافقته وفود مماثلة ضمت شركات رقائق وبطاريات كهربائية، في مسعى لترسيخ سلاسل الإمداد بعيداً عن الصين وبناء شراكات استراتيجية مع العواصم الصديقة. كذلك في زيارة ترامب إلى منطقة الخليج العربي.

إعادة تعريف النفوذ

كل هذا يعكس انتقال مركز الثقل من الدبلوماسية البروتوكولية إلى دبلوماسية «الصفقات» حيث يقاس نجاح الزيارة بحجم الاستثمارات التي تم جذبها وعدد الوظائف التي يمكن الإعلان عنها لاحقاً في الداخل الأميركي.

الدبلوماسية التكنولوجية قد تصبح السمة الأبرز للسياسة الخارجية في السنوات المقبلة، ليس في واشنطن وحدها بل في عواصم العالم كافة، حيث تدرك الدول أن السباق على النفوذ لم يعد يدار فقط على طاولات المفاوضات أو ساحات القتال، بل في مختبرات البحث والتطوير ومراكز البيانات ومصانع الرقائق.