صراع العروش.. هل تدفع الرسوم الولايات المتحدة والصين إلى "فخ ثيوسيديدس"؟

غراهام أليسون
غراهام أليسون

في تطور دراماتيكي جديد ضمن الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، أعلنت بكين اليوم، عن رفع رسومها الجمركية الإضافية على المنتجات الأميركية إلى نسبة 125%، في خطوة وُصفت بأنها تصعيد مباشر في وجه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي فرض تعرفة شاملة على الواردات الصينية بنسبة وصلت إلى 145%.

خلف هذه المواجهة المتفجرة، يتبدّى صراع أعمق بكثير من مجرد التنافس الاقتصادي، إنه سباق مفتوح على قيادة القرن الحادي والعشرين، يمتزج فيه الاقتصادي بالجيوسياسي، والتقني بالعسكري.

الرئيس ترامب وصف الثاني من أبريل بـ"يوم التحرير الاقتصادي"، مؤكداً عبر منصته "تروث سوشال" أن سياسته "تبلي بلاءً حسناً" رغم اضطرابات الأسواق وتراجع الدولار، فيما قال مستشاره للأمن الداخلي ستيفن ميلر إن "أيام نهب الصين لأميركا انتهت"، واعتبر نائبه جي دي فانس أن "من الجنون الاعتماد على الصين في الصناعات الحيوية" في ظل الحديث عن مواجهة محتملة.

من جانبها، ردّت الصين بلهجة صارمة، معتبرة أن الرسوم الأميركية بلطجة اقتصادية وانتهاك لقواعد التجارة الدولية، وقال المتحدث باسم الخارجية لين جيان إن "الصين لن تقبل بهذه الهيمنة ولن تركع".

وبحسب تقارير إعلامية من بينها تقرير نشرته "نيوزويك"، ترى بكين أن ما يجري ليس مجرد أزمة تجارية بل معركة سياسية استراتيجية هدفها كبح صعودها العالمي، خصوصاً مع إعلان الرئيس شي جينبينغ أن بلاده تسعى لتحقيق الريادة العالمية بحلول عام 2049، في الذكرى المئوية لقيام جمهورية الصين الشعبية.

حلفاء

بعد أسبوع واحد من فرضه الرسوم الجمركية، أعلن ترامب عن إيقافها لمدة 90 يوماً، باستثناء تلك المفروضة على الصين، وكأنه يريد تحديد المواجهة بينه وبين التنين.

على الهامش، حاول الاتحاد الأوروبي تجنب التصعيد، فوصف الرئيس الفرنسي ماكرون تعليق ترامب للرسوم على بعض الدول بأنه "هدنة هشة"، بينما حذّرت أورسولا فون دير لايين من احتمال فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الأميركية.

وكانت الصين دعت الاتحاد الأوروبي إلى "المقاومة معاً"، في سبيل حماية العولمة والتعددية التجارية في وجه "الأحادية الأميركية".

دول مثل فيتنام وكمبوديا اختارت الصمت، بينما أكدت رابطة آسيان أنها لن تتخذ تدابير مضادة حالياً، خشية تداعيات اقتصادية أوسع.

أما الأسواق المالية فشهدت اضطرابات عنيفة، حيث تراجع الدولار مقابل اليورو إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، فيما عاد القلق من ركود عالمي في حال استمرار التصعيد.

مواجهة

يستشعر المتابع للأحداث التي تتداعى سريعة، أن هذه المعركة التجارية انعكاس لمواجهة استراتيجية أوسع، حيث قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إن الصين تمثل تهديداً مباشراً للمصالح القومية الأميركية، وإن الأولوية في الاستراتيجية العسكرية الآن هي لردع بكين في المحيط الهادئ.

واستحضرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" في تقرير لها، تحذير أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأميركي غراهام أليسون، من أن الحرب بين واشنطن وبكين "ليست حتمية.. لكنها مرجحة"، مشيراً إلى المصطلح الذي صاغه بنفسه في عام 2012، وسمَّاه "فخ ثيوسيديدس"، الذي يحيل إلى احتمال الصدام بين قوة صاعدة وأخرى مهيمنة، والذي اقتبسه نص للمؤرخ والجنرال الأثيني ثوسيديدس بعنوان «تاريخ الحرب البيلوبونيسية»، وجاء فيه: «صعود أثينا والخوف الذي رسخ في أسبرطة جعلا من الحرب أمراً لا مفر منه»، وشرح أليسون المصطلح بتوسع في كتابه الصادر عام 2017 بعنوان «مصيرها الحرب»، حيث يجادل بأن «الصين والولايات المتحدة في مسار يتجه إلى الحرب مباشرة».

ورغم شحها، تؤكد المعلومات والتقارير أن الصين باتت تملك أكبر قوة بحرية بالعالم، بينما تعمل واشنطن على توسيع بناء السفن وتعزيز الردع في مناطق نفوذ بكين.

في الوقت ذاته، يتسابق الطرفان في معظم المجالات: تطوير الذكاء الاصطناعي، والصواريخ فرط الصوتية، والفضاء، والقدرات السيبرانية، حيث يتحدث البنتاغون عن محاولات اختراق صينية طويلة الأمد لبنية الاتصالات والبنية التحتية الحيوية الأميركية، في ما يُعد استعداداً هجومياً لأي مواجهة مقبلة.

يرى بعض المراقبين أن تايوان هي أكثر النقاط خطورة، حيث تراها الصين جزءاً من أراضيها وتتوعد باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، بينما لمَّحت واشنطن مراراً إلى أنها ستتدخل لحمايتها.

انفصال

ومن جهة أخرى، تسارعت وتيرة الانفصال الاقتصادي بين البلدين، فبحسب تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" اليوم، تراجعت حصة الصادرات الصينية إلى أميركا من نحو 20% في 2016 إلى 13% في 2023، بينما تقلصت الواردات الصينية من الولايات المتحدة من 10% إلى 7%.

في هذا السياق، يرى محللون أميركيون مثل مات بوتينجر وليزا توبين، وكلاهما عمل ضمن إدارة ترامب، أن التصعيد التجاري لم يبدأ من واشنطن بل من بكين، وأن الفصل الاقتصادي الحالي قد يكون بدايةً لسياسة أميركية شاملة لكبح الصين. بوتينجر قال إن ترامب إذا استخدم نفوذ اقتصادات السوق العالمية بشكل استراتيجي، يمكنه إنهاء هذه المواجهة بشروط أميركية.

ما بدأ كحرب رسوم بات الآن فصلاً من فصول إعادة تشكيل النظام العالمي، والمواجهة بين واشنطن وبكين أكبر بكثير من التجارة.. إنها صراع على عرش القرن الحادي والعشرين بالكامل.