أربكت الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، سلاسل الإمداد العالمية، ودفعت بتكاليف الشحن إلى مستويات غير مسبوقة، وسط تحذيرات من تباطؤ حركة التجارة الدولية وتزايد الضغوط التضخمية.
ترامب صعّد من حروبه التجارية عبر فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% وتصل إلى نحو 50%، وفي حين يؤكد أن هذه الخطوة ستعيد الوظائف إلى الولايات المتحدة، ركز قادة الشركات على آثار زيادة الأسعار، وتراجع الشحنات، وتخفيض الاستثمارات.
وفي محاولة للتكيف مع هذه المتغيرات، بدأت بعض الشركات الأميركية في مراجعة مصادر التوريد، والبحث عن بدائل في دول لم تشملها الرسوم، مثل المكسيك وتركيا، كما لجأت شركات أخرى إلى تقنيات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الشحن وتقليل الكلفة.
في المقابل، حذر صندوق النقد الدولي من أن استمرار التوترات التجارية بهذا الشكل قد يؤدي إلى انكماش في نمو الاقتصاد العالمي يصل إلى 1.2 نقطة مئوية خلال عام واحد، في حال استمرار الاضطراب في حركة التجارة وسلاسل التوريد.
في تقرير لوكالة رويترز يقول نايجل غرين، الرئيس التنفيذي لمجموعة "ديفير" للاستشارات المالية العالمية: "هذه الرسوم سترفع الأسعار على آلاف السلع اليومية، من الهواتف إلى الأغذية، وهو ما سيغذي التضخم في وقت لا يزال فيه مرتفعاً بشكل غير مريح."
وفي تناقض صارخ مع وعود ترامب بتوفير وظائف، أعلنت مجموعة صناعة السيارات متعددة الجنسيات (ستيلانتس) لصناعة السيارات يوم الخميس عن تسريح مؤقت لـ 900 موظف في منشآت بولاية ميشيغان وإنديانا، بسبب توقف الإنتاج في مصانعها في المكسيك وكندا بعد فرض الرسوم.
وفي رسالة بريد إلكتروني للموظفين حصلت عليها رويترز، قال أنطونيو فيلوسا، المدير التشغيلي الإقليمي لشركة (ستيلانتس): "ندرك أن الوضع الحالي يخلق حالة من عدم اليقين، ونحن على تواصل مع كبار المسؤولين الحكوميين والنقابات والموردين والوكلاء للتكيف مع هذه التغيرات."
ناقوس خطر
تعد شركات الشحن، العمود الفقري للتجارة العالمية، وكانت ضمن أول من أعرب عن قلقه ودق ناقوس الخطر، حيث سجلت أسعار الشحن الفوري من الشرق الأقصى ارتفاعاً بنسبة 8% إلى الساحل الشرقي الأميركي، و15% إلى الساحل الغربي في الأول من أبريل، لكنها لا تزال أقل بنسبة 43% و49% على التوالي مقارنة ببداية العام.
أما في سوق الشحن الجوي، فلا يتوقع المحللون أيضاً ارتفاعاً كبيراً في الأسعار في المدى القريب، حيث تبلغ أسعار الشحن الجوي من شنغهاي إلى الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، نحو 4.16 دولارات لكل كغ، منخفضة من ذروتها في نوفمبر (5.75 دولارات). أما من أوروبا الغربية إلى الولايات المتحدة فتبلغ الأسعار 2.16 دولار لكل كيلوغرام، بعد أن كانت 3.51 دولارات في ديسمبر.
بحسب شركة "ميرسك" للشحن البحري، ثاني أكبر شركة حاويات في العالم، شهدت حركة البضائع شهدت تباطؤاً ملحوظاً في الأيام التي تلت الإعلان، نتيجة تردد العديد من المستوردين في تحرير بضائعهم خوفاً من التكاليف الإضافية، أو ترقباً لتعديلات محتملة في السياسات الجمركية، وقد دفع هذا المشهد العديد من الشركات إلى التخزين المؤقت، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الشحن البحري بنسب تجاوزت 18% في بعض الخطوط التجارية، لا سيما من آسيا إلى الولايات المتحدة.
من جهتها، أشارت شركة "هاباغ-لويد" الألمانية، خامس أكبر شركة نقل حاويات عالمياً، إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤثر في الطلب وتدفقات البضائع وتكاليف التشغيل، مؤكدة أنها قد تضطر إلى تعديل شبكات خدماتها استجابة للتغيرات.
ضربة لآسيا
الرسوم وسيلة لحماية الاقتصاد الأميركي من المنافسة غير العادلة، وأداة للمفاوضة على شروط تجارية أفضل، هكذا يقول ترامب، غير أن الشركات حول العالم تتعامل مع الرسوم عبر رفع الأسعار ونقل الأعباء إلى المستهلك، لكنها أضحت الآن تواجه مشكلة أخرى تتمثل في أن الرسوم الجديدة شملت دولاً بديلة كانت الشركات قد بدأت تنقل إنتاجها إليها، مثل فيتنام (46%) وكمبوديا (49%)، ما يعقّد أي محاولات لتنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين.
وهبطت أسهم شركات رياضية عالمية مثل "نايك"، و"أديداس" و"بوما"، يوم الخميس، بسبب اعتمادها الكبير على الإنتاج في آسيا، خاصة الصين، فيتنام، وإندونيسيا.
وفي الولايات المتحدة، قالت متاجر "تارغت" و"بست باي" إنها ستضطر إلى رفع الأسعار، في حين توقعت تقارير أن تتعرض هوامش أرباحها لضغوط. كما تراجعت أسهم شركة "أبل" بنسبة 8% بسبب مخاوف متعلقة بتصنيع معظم أجهزتها في الصين.
وبحسب جمعيات صناعية، سيضطر الأميركيون إلى دفع المزيد مقابل المشروبات المستوردة، بينما تخطط شركات أوروبية كبرى لرفع الأسعار حتى قبل فرض الرسوم رسمياً على واردات الاتحاد الأوروبي (20%).
قلق
على الرغم من إيمان إدارة ترامب بأن الرسوم ستشجع على إعادة التصنيع إلى الأراضي الأميركية، كما حدث مع اتفاقية USMCA التي ساعدت على تحويل خطوط الإنتاج من الصين إلى المكسيك وكندا، فإن القلق الأكبر، بحسب العديد من المسؤولين التنفيذيين يكمن في أن الشركات قد تتوقف تماماً عن الاستثمار بسبب عدم وضوح الرؤية.

