في عام 1945، وعلى أنقاض حربين عالميتين مزّقتا العالم، وُلدت الأمم المتحدة كمنارة أمل للإنسانية، تهدف إلى صون السلم والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون بين الدول لتحقيق التنمية المستدامة، وحماية حقوق الإنسان، وترسيخ مبادئ القانون الدولي.
ومع اقتراب الذكرى الثمانين لتأسيسها، تجد الأمم المتحدة نفسها أمام تحديات جسيمة تهدد قدرتها على الوفاء بمهامها النبيلة، فالأزمات المالية المتلاحقة ألقت بظلالها على المنظمة، ما دفعها إلى البحث عن سبل لتعزيز الكفاءة وتقليل النفقات دون المساس بجوهر رسالتها، وقد دعا الأمين العام إلى إصلاح النظام المالي الدولي لجعل تمويل المناخ والتنمية أقل تكلفة وأكثر ملاءمة، وفي وضع يسمح له بمكافحة حجم أزمة المناخ.
يعمل الأمين العام أنطونيو غوتيريش على تعزيز كفاءة المنظمة وخفض التكاليف، وفي هذا السياق، أطلق مبادرة "الأمم المتحدة 80" بهدف تحسين العمليات الداخلية وضمان استخدام أمثل للموارد المتاحة.
ترافقت تلك الجهود مع همهمات بأن غوتيريش يستلهم هذه الجهود من مبادرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيلون ماسك في مجال الكفاءة الحكومية، لكنه نفى وجود أي صلة بين المبادرتين، مؤكداً أن مساعي الأمم المتحدة تركز على تحسين عملياتها بما يتماشى مع أهدافها وقيمها، دون الارتباط بمبادرات خارجية.
تأتي هذه الجهود في وقت أشار فيه مسؤولون في الأمم المتحدة إلى أن عودة ترامب إلى منصبه زادت من ضرورة تحسين الكفاءة داخل المنظمة، ففي فبراير الماضي، أعرب ترامب عن رغبته في أن تعمل الأمم المتحدة بشكل أكثر فعالية، مؤكداً الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها المنظمة.
80 عاماً
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش اليوم الأربعاء إن الأمم المتحدة تبحث عن طرق لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف مع مرور 80 سنة على تأسيسها هذا العام وسط أزمة نقدية، لكنه لم يشبه ذلك بالجهود الأمريكية التي يبذلها الرئيس دونالد ترامب وإيلون ماسك.
وأضاف جوتيريش، عندما سُئل عما إذا كان يُنشئ نسخة للأمم المتحدة من إدارة الكفاءة الحكومية في عهد ترامب، والتي يقودها ماسك الذي أجرى تخفيضات كبيرة في القوى العاملة الاتحادية الأمريكية، "لا علاقة لنا بهذا النوع من المبادرات".
وأردف للصحفيين عند إعلانه عن إنشاء فريق عمل "الأمم المتحدة 80"، قائلاً: "نتحدث عن عمليات ومنهجيات وأهداف مختلفة تماماً.. هذا استمرار وتكثيف للعمل الذي كنا نقوم به دائما".
وأقر مسؤولان من الأمم المتحدة، تحدثا شريطة عدم كشف هويتيهما، بأن عودة ترامب إلى منصبه في يناير كانون الثاني زادت من ضرورة بذل الجهود لتحسين الكفاءة والطموح إلى ذلك.
وصرح ترامب في فبراير بأن الأمم المتحدة "تتمتع بإمكانات هائلة... وسنواصل المضي معها جنبا إلى جنب، لكن عليهم أن يعملوا معا". وردت الأمم المتحدة على ذلك في حينها وأكدت أن جوتيريش يعمل بلا كلل لتنفيذ الإصلاحات.
وقال جوتيريش للصحفيين اليوم الأربعاء عند الإعلان عن مبادرته ‘الأمم المتحدة 80‘ إن هدفه "هو التحرك في أسرع وقت ممكن في المجالات التي لديه فيها سلطة، ودعوة الدول الأعضاء إلى النظر في العديد من القرارات التي تقع على عاتقها" مسؤولية اتخاذها.
وأضاف "هذا يتجاوز الجانب الفني بكثير. ميزانيات الأمم المتحدة ليست مجرد أرقام في كشف حساب، بل هي مسألة حياة أو موت لملايين البشر حول العالم. علينا ضمان تحقيق أفضل قيمة مقابل المال مع تعزيز القيم المشتركة".
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تواجه فيه الأمم المتحدة، التي تأسست في أكتوبر 1945، أزمة سيولة للعام السابع على التوالي على الأقل.
وأوضح جوتيريش أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعددها 193، لا تدفع اشتراكاتها الإلزامية بالكامل أو في موعدها.
وتبلغ الميزانية العادية للأمم المتحدة لعام 2025 نحو 3.7 مليار دولار لتغطية أمور مثل العمل السياسي والإنساني ونزع السلاح والشؤون الاقتصادية والاجتماعية والاتصالات.
والمساهمات طوعية في معظم وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
ووفقا للتقييمات التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن أكبر مساهمين في الميزانية العادية هما الولايات المتحدة والصين. إذ تدفع واشنطن أكبر نسبة وهي 22 بالمئة، وارتفعت مساهمة بكين خمسة بالمئة هذا العام لتصل إلى 20 بالمئة.
ومع ذلك، تدفع الصين الآن مستحقاتها في نهاية العام، بعد ستة أشهر مما كانت عليه من قبل. والولايات المتحدة يتأخر عليها استحقاقات قدرها 1.5 مليار دولار. وكانت آخر مرة دفعت فيها واشنطن 275 مليون دولار في نوفمبر تشرين الثاني، في عهد سلف ترامب، جو بايدن.
وقال أحد مسؤولي الأمم المتحدة إن هناك "الكثير من عدم اليقين" بشأن الميزانية هذا العام. وأضاف أن الصين أكدت للأمم المتحدة أنها ستدفع بالكامل هذا العام، لكن لم يتضح متى، بينما لم تكن واشنطن في وضع يسمح لها بعد بإبلاغ الأمم المتحدة بالمبلغ الذي ستساهم به.
وقال المسؤول "قررنا بين يناير وأغسطس أن نكون حذرين للغاية من الناحية المالية".
ولم تدفع إلا 75 من الدول الأعضاء، أي ما يزيد قليلا عن الثلث، اشتراكاتها المقررة في الميزانية العادية بالكامل حتى السابع من مارس.
وخّفضت الأمم المتحدة في ظل الأزمة المالية الإنفاق المقرر بنسبة تصل إلى 20 بالمئة وجمدت التعيينات.
وردا على سؤال عن إمكانية خفض عدد الوظائف نتيجة لجهود الكفاءة في إطار مبادرة "الأمم المتحدة 80"، قال المسؤول "لا أستطيع الرد في هذه المرحلة. ما سأقوله هو أن كل شيء مطروح على الطاولة، ولا شيء بعيد عنها".
أخيراً، تظل الأمم المتحدة ساحة تجمع الدول لحل القضايا العالمية المعقدة، فهي المنبر الذي تُطرح فيه التحديات المشتركة، ويقدم من خلالها الدعم الإنساني والتنموي للمحتاجين في مختلف أنحاء العالم.