إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن العالم سوف يعمّه السلام خلال ولايته الحالية، وأنه سيترك إرثاً للسلام، يمثل نهجاً جريئاً وربما تحويلياً للسياسة الخارجية الأمريكية، ولا شك أن ترامب في ولايته الثانية سيتفادى أخطاءه وأخطاء إدارة بايدن.
فقد بات يعرف نظام الحكم بشكل أفضل، ويريد ترجمة خطابه إلى أفعال، ويدرك أن هذه ربما تكون فرصته العظيمة الأخيرة ليترك بصمته في تحقيق السلام، لكن ذلك سيكون عائداً لبلاده من خلال انتهاج سياسة الترغيب والترهيب لعقد صفقات تنهي الحروب وتعوض بلا شك الخسائر الاقتصادية التي سببتها إدارة بايدن الفاشلة.
صفقات
ترامب ألغى الأمر التنفيذي رقم 14115، الصادر في أول فبراير 2024، الذي سمح بفرض عقوبات معينة «على الأشخاص الذين يقوّضون السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية».
فهذا القرار يمثل هدية لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بعد رضوخه لضغوطات ترامب في قبول صفقة وقف إطلاق النار في غزة عشية تنصيب ترامب لولاية ثانية، بما يمهد لدخوله في صفقات جديدة معه لإنهاء الحرب كلياً في غزة والانسحاب من جنوب لبنان.
ورسمت حملة ترامب صورة لمرشحهم على أنه قادر على إنهاء جميع النزاعات العالمية، بما في ذلك صراعات تمتد لعقود. وكتب ترامب يوم إعلان وقف إطلاق النار في غزة على «تروث سوشيال»: «هذه ليست سوى بداية لأشياء عظيمة قادمة لأمريكا، بل وللعالم».
ضغوط
نتانياهو لم يتجه نحو صفقة تبادل الأسرى بإرادته، بل جاء ذلك تحت ضغوط مباشرة من ترامب، الذي أرسل مبعوثه ستيف ويتكوف لإبلاغ نتانياهو بأن رفض الصفقة قد يؤدي إلى وقف الإمدادات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، لذلك فترامب اتبع سياسة الترهيب مع نتانياهو، وسياسة الترغيب بعد رضوخه لأوامره.
وتثار تساؤلات بشأن كيفية تعامل الرئيس الأمريكي الجديد مع النزاعات الكبرى في المنطقة، وسبل تنفيذ وعوده بحلها سريعاً، علماً أن ولايته الأولى اتسمت بعلاقات متمحورة حول الشخصية وتقلّبات في المواقف وميل الولايات المتحدة إلى تقليص دورها الإقليمي.
لكن ترامب هذه المرة أصبح يهيمن على حزبه مثل قلّة قبله، فخلق حركة من الأتباع المستعدين لتنفيذ السياسات، كما أن حرصه على عقد صفقات لنشر السلام نابع من إدراكه أن هذه الأمور تقود الولايات المتحدة إلى استثمار العديد من المدخلات السياسية والاقتصادية.
الإبداع يكمن فقط في دور الأفراد في إيجاد آليات لتفعيل مسار السلام للسير وفق إيقاعها، علماً أن التنفيذ العملي لهذه الرؤية يواجه العديد من العقبات، لكن ترامب يعبّر عن رؤية تيار سياسي في صفوف الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ تلك الرؤية ترى مكانة الولايات المتحدة دولة إمبريالية، بمعناها الاقتصادي والسياسي، في ظل حالة عدم الاستقرار الإقليمي والتحديات العالمية؛ لذلك فإن الرئيس الأمريكي يحتاج إلى تسويات وترضيات للدفع بعملية السلام وإنهاء الحروب في العالم.
تحذير
وقد حذر ترامب من أنه سيفرض تعريفات جمركية عالية وعقوبات أخرى على روسيا إذا رفض نظيره الروسي فلاديمير بوتين إنهاء الحرب في أوكرانيا، كما سيعتمد على أسلوب آخر في التعامل مع أوكرانيا، فهو لن يقدم مساعدات عسكرية مفتوحة لكييف كما كانت تفعل إدارة بايدن، بل قد يربط بين تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا واستعدادها للدخول في مفاوضات سلام جادة مع روسيا، فهو يحبّذ فكرة «السلام من خلال القوة».
