تجتاح مدينة لوس أنجلوس هذه الأيام حرائق هي الأكثر تدميراً في تاريخ ولاية كاليفورنيا، وكان صيفها الأكثر جفافاً، كما تعصف بها عواصف شديدة، فلماذا تلاحق كاليفورنيا هذه الكوارث الطبيعية.
وصف الرئيس الأميركي جو بايدن حرائق لوس أنجلوس بأنها "أكبر حرائق الغابات وأكثرها تدميراً في تاريخ كاليفورنيا"، مؤكدًا أن التغير المناخي حقيقة واقعة.
ويرى دانييل سوين، عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: أنه لو شهدنا هطول أمطار غزيرة أو واسعة النطاق في الأسابيع والأشهر التي سبقت هذا الحدث، لما رأينا مدى الدمار الذي نشهده حاليًا.
وتعود أسباب الحرائق في كاليفورنيا إلى ظاهرة التغير المناخي التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار، مما يسبب جفاف الغطاء النباتي ويجعله عرضة للحرائق وهذا الجفاف المستمر يزيد من احتمالية اندلاع الحرائق وانتشارها بسرعة، كما تتميز كاليفورنيا بمناخ حار وجاف خلال فصل الصيف، مما يخلق بيئة مثالية لاندلاع الحرائق وتسهم الرياح القوية مثل رياح "سانتا آنا" في تأجيج الحرائق وانتشارها بسرعة حيث تجلب الرياح الهواء الجاف من منطقة الحوض العظيم في الغرب إلى جنوب كاليفورنيا، مما يزيد من سرعة انتشار الحرائق.
كما أدى التوسع العمراني وزيادة عدد السكان في المناطق القريبة من الغابات من احتمالية اندلاع الحرائق بسبب الأنشطة البشرية، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، وخلال القرن الماضي، تم مكافحة الحرائق بشكل فعال في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مما أدى إلى تراكم النباتات القابلة للاحتراق، وهذا التراكم يزيد من شدة الحرائق عندما تندلع، كما تسببت سلسلة العواصف الغزيرة في زيادة نمو النباتات، مما أدى إلى زيادة كمية الغطاء النباتي الذي يمكن أن يكون وقودًا للحرائق في فترات الجفاف، هذا النمو الزائد للنباتات يزيد من احتمالية اندلاع الحرائق عندما تكون الظروف الجوية ملائمة لذلك‘ إضافة إلى رياح "سانتا آنا" القوية تلعب دورًا كبيرًا في تأجيج الحرائق وانتشارها بسرعة.
تأثير التغير المناخي على الحرائق
في عام 2020، قام فريق دولي من العلماء بمراجعة بحثية لـ57 دراسة سابقة أظهرت جميعها روابط بين تغير المناخ وزيادة تواتر وشدة طقس الحرائق، الذي يُعرّف بأنه الظروف الملائمة لنشوب حرائق غابات، مثل درجات الحرارة المرتفعة وانخفاض الرطوبة وانخفاض هطول الأمطار والرياح العاتية.
وأشارت الدراسات البحثية إلى أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية وموجات الحر المتكررة وموجات الجفاف ستؤدي إلى زيادة احتمال نشوب حرائق الغابات من خلال تعزيز طقس الحرائق. وأظهرت بيانات الرصد في هذه الدراسة أن مواسم طقس الحرائق قد امتدت عبر ما يقرب من 25% من سطح الأرض النباتي، مما أدى إلى زيادة بنحو 20% في المتوسط العالمي لطول موسم طقس الحرائق.
التغيرات في موسم الحرائق
وكلما تأخر هطول الأمطار الشتوية، كلما أصبحت كاليفورنيا ومناخها المتوسطي عرضة لسلوكيات الحرائق المتطرفة. كان موسم الحرائق في كاليفورنيا ينتهي تاريخيًا في أكتوبر، عندما تصطدم الأعشاب والشجيرات التي تحولت إلى فتيل بفعل حرارة الصيف برياح "سانتا آنا"، قبل وصول أمطار الشتاء، لكن عاصفة الحرائق في لوس أنجلوس هي أحدث مثال على عدم وجود موسم حرائق بعد الآن في عالم دافئ.
ووفقًا لسوين، كانت هذه بداية الشتاء الأكثر جفافًا على الإطلاق في جنوب كاليفورنيا، ويحذر خبراء الأرصاد الجوية من أن المنطقة ستظل معرضة لخطر "حرائق كبيرة أعلى من المعدل الطبيعي".
الاتجاهات المستقبلية
حرائق غابات كاليفورنيا، بتتبعها منذ ثمانينيات القرن الفائت، تتجه حجم وشدة الحرائق إلى الأعلى بلا توقف، فأكثر من 15 من أكبر 20 حريقًا في تاريخ كاليفورنيا حدثت منذ عام 2000. ومنذ سبعينيات القرن العشرين ازدادت مساحة المنطقة المحروقة في الولاية 5 أضعاف، في مقابل ذلك ارتفعت متوسطات درجة الحرارة في الولاية نفسها خلال الفترة نفسها.
ويتوقع العلماء أنه مع تصاعد أزمة المناخ، فإن المرجح هو أن تزداد شدة هذه الحرائق وطول مدتها وترددها، وتتغير مواعيدها لتصل إلى عمق الشتاء في بعض الأحيان. وفي حين أن ذلك بات معروفًا للعلماء منذ عقود، إلا أن الجهود السياسية لاحتواء أزمة المناخ لا تزال بطيئة جدًا.
التأثير المالي
ويقيّم المحللون التأثير المالي للكارثة، إذ ضاعف بنك جيه.بي مورغان توقعاته للخسائر التي يغطيها التأمين إلى أكثر من 20 مليار دولار، كما يتوقع بنك ويلز فارغو وقوع خسائر مشمولة بالتأمين بذات المبلغ وقال إن الضرر الاقتصادي الإجمالي الناجم عن الكارثة قد يتجاوز 60 مليار دولار.