حزب ماسك الجديد.. هل يكسر الاحتكار الحزبي الثنائي في أمريكا؟

ماسك مع ترامب خلال إطلاق الرحلة التجريبية لمركبة سبيس إكس في 19 نوفمبر الماضي
ماسك مع ترامب خلال إطلاق الرحلة التجريبية لمركبة سبيس إكس في 19 نوفمبر الماضي

في خطوة يمكن اعتبارها زلزالاً سياسياً، أعلن رجل الأعمال الأمريكي المثير للجدل، إيلون ماسك، عن تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة باسم «حزب أمريكا»، واضعاً نصب عينيه ما سمّاه «إنقاذ أمريكا من فساد الحزبين».

إعلان ماسك لم يكن مفاجئاً تماماً، حيث يتموضع الرجل على تقاطع الثروة الهائلة والتكنولوجيا الطموحة، والتصريحات الخارجة عن المألوف، بنكهة سياسية حديثة العهد.

هذا الإعلان أثار تساؤلات جدية حول فرص هذا الحزب الوليد في الاستمرار، ناهيك عن المنافسة، في نظام سياسي، يحتكره الحزبان الكبيران منذ أكثر من قرن ونصف القرن.

التاريخ الأمريكي شهد محاولات عدة لكسر الثنائية الحزبية، من حزب «بول موس»، الذي أسسه تيدي روزفلت حين كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية سنة 1912، إلى محاولات روس بيرو في حملتين رئاسيتين عامي 1992 و1996، وصولاً إلى الأحزاب الصغيرة اليوم كـ«الليبرتاري» و«الأخضر».

جميع تلك المحاولات باءت بالفشل في الوصول إلى السلطة الفيدرالية، لأن النظام الانتخابي الأمريكي مصمم على مقاس الثنائية الحزبية (جمهوري - ديمقراطي) شبه المطلقة، من خلال نظام الفائز الواحد في الدوائر الانتخابية، وعدم اعتماد التمثيل النسبي، إلى جانب البنية القانونية والمالية المعقدة في ما يتعلق بتسجيل الأحزاب، والمشاركة في المناظرات العامة، وكذلك نفوذ الإعلام التقليدي، الذي غالباً ما يدور في فلك الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي.

القوة والضعف

هل ثمة شيء مختلف هذه المرة؟ ماسك لا يأتي كونه سياسياً تقليدياً أو ناشطاً حزبياً صاعداً من القواعد، بل كونه رمزاً فاعلاً في عالم الأعمال والتكنولوجيا، وهو يملك ثروة تتجاوز 400 مليار دولار، ومنصات نفوذ ضخمة، أبرزها «إكس» (تويتر سابقاً)، وشركات مثل «تسلا» و«سبيس إكس».

هذا يمنحه أدوات نادرة لأي مرشح أو حزب ثالث: التمويل، الإعلام، والجمهور، كما أن خطابه «التحرري التكنولوجي»، ونقده اللاذع لما يصفه بـ «الاستيقاظ الثقافي المفرط» لدى «اليسار»، وللبيروقراطية لدى «اليمين»، قد يجتذب شريحة واسعة من المستقلين والمحرومين سياسياً، مع ملاحظة أن مصطلحي اليمين واليسار نسبيان، وليسا كما عرف عنهما في المشهد السياسي في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، وحتى الشرق الأوسط، لكن تحويل رأس المال الرمزي والمادي إلى آلة سياسية مهمة وفاعلة يبدو في أمريكا تحديداً مهمة أكثر تعقيداً مما تبدو عليه في الظاهر، فالحزب يحتاج إلى برنامج بديل وجذري، وقواعد تنظيمية في الولايات وخبراء قانونيين، وآليات تحشيد وتعبئة، وخطاب مقنع وقادر على الاستقطاب، وتحالفات محلية، وهذه أمور تفتقر إليها مشاريع الحزب الثالث غالباً في أمريكا.

فرصة أم استحالة؟

لكن لنلاحظ أن السياق السياسي الأمريكي في 2025 يتميز بانقسام حاد، وعدم رضا شعبي واسع عن الحزبين التقليديين، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي، التي تظهر تراجع ثقة الناخبين بكليهما.

هذا التململ قد يشكل نافذة لحزب ماسك، خصوصاً إن تمكن من استقطاب وجوه سياسية معروفة، أو كوّن تحالفاً مع مستقلين فاعلين مثل أندرو يانغ أو تولسي غابارد، ولكن من دون تعديل جذري في قواعد اللعبة السياسية (وهو أمر مستبعد حالياً) فإن فرص الوصول إلى الكونغرس أو الرئاسة ستظل ضئيلة جداً.

قد يكون حزب ماسك الجديد أشبه بـ«مشروع استعراضي»، لتكثيف حضوره في الفضاء العام، وفرض أجندته الفكرية والسياسية، أكثر من كونها محاولة جدية للاستحواذ على السلطة، وربما ينجح في تحريك المياه الراكدة، وتأجيج النقاش حول جدوى الثنائية الحزبية، لكنه في المدى المنظور لن يكون تهديداً مباشراً للجمهوريين والديمقراطيين، إلا بقدر ما يسحب من رصيد أحدهما في سباقات متقاربة.

وهناك مسألة تنظيمية أخرى تطرق إليها الباحث السياسي برنارد تاماس، مشيراً إلى الفارق بين إنشاء حزب والمشاريع التجارية، قائلاً: «يجب أن يظهر الحزب كونه حركة اجتماعية، وهو يحتاج إلى أشخاص متحمسين ومستعدين للقتال على أرض الواقع.

لا يمتلك ماسك بعد مثل هذه الشبكة من النشطاء، على الرغم من أن بعض المجموعات السياسية الصغيرة قد أعربت بالفعل عن استعدادها للتعاون معه».

يستسهل الأمور

وتشكك المؤسسة السياسية بتصريحات ماسك باعتبار أنه «يستسهل الأمور»، كما قال خبير الأنظمة الانتخابية، ريتشارد وينجر، وأضاف: «إنه عبقري في مجال الأعمال، لكنه في السياسة يبدو هاوياً»، كما نقلت «روسيا اليوم».

ويرى اندرياس أوترستروم، المتخصص في الشأن الأمريكي، أن ماسك يستخدم الحزب أداة للضوء الإعلامي لا أكثر، ويفتقر إلى «أجندة سياسية متماسكة».

جريدة «واشنطن بوست» ترى أن ماسك قد يحاول التأثير من خارج النظام بدلاً من دخوله، مستدلة بفشل محاولاته السابقة في التأثير على انتخابات المحكمة العليا.

وتصف مجلة «نيويورك ماغازين» مشروع ماسك بأنه «خيالي أكثر منه عملي»، وأن أفضل ما يمكن أن يفعله ماسك هو دعم أحزاب ثالثة قائمة بالفعل مثل الحزب الليبرتاري.

بالمحصلة يمكن النظر إلى إعلان ماسك من زاويتين: إما أنه مبادرة جادة لكسر احتكار ثنائي دام قرناً ونصف القرن، وإما أنه مشروع علاقات عامة جديد، يهدف إلى تعزيز نفوذه الرمزي.

وفي الحالتين فإن ما يفعله يعيد طرح سؤال قديم بصيغة جديدة: هل السياسة الأمريكية بحاجة إلى حزب ثالث.. أم إلى نظام مختلف جذرياً؟