وفاء عيد ومصطفى عبدالقوي ومحمد أبوزيد
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً على خط التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، والذي اندلع قبل أكثر من عشرة أيام، موجّهة ضربة عسكرية خاطفة استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان. هذا التطور العسكري المفاجئ يضع الصراع أمام مفترق طرق بالغ الخطورة، حيث بات السؤال الأبرز: هل تمثل هذه الضربة بداية لانزلاق نحو حرب شاملة، أم خطوة مدروسة لاحتواء الصراع وإنهائه؟
الضربة الأمريكية، رغم قوتها الرمزية والاستراتيجية، تثير جدلاً واسعاً بين من يعتبرها ذروة التصعيد ونقطة تحوّل نحو التهدئة، ومن يراها إعلاناً ضمنياً لبداية حرب متعددة الأطراف؛ ففي حين تشير بعض التحليلات إلى وجود تفاهمات غير معلنة تهدف لوقف التصعيد، يرى آخرون أن استهداف منشآت نووية يُمهد لتصعيد خطير. وتتضارب المؤشرات بين تصريحات أمريكية توحي برغبة في السلام، وتحذيرات من احتمال توسّع الصراع، ما يضع العالم أمام مشهد إقليمي شديد الحساسية.
وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في كلمة له بعد تنفيذ الضربة الأمريكية في الساعات الأولى من صباح أمس: «إن إيران أمامها إما السلام أو ما وصفه بـ «مأساة»، مهدداً بمزيد من الأهداف حال إن لم تلتزم طهران بمسار السلام»، فيما توعد مسؤولون إيرانيون بالرد الحازم .
ويتبنى الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أحمد فؤاد أنور لـ «البيان» الرأي القائل بأن الضربة الأمريكية لسلسلة مواقع نووية إيرانية «كانت دراماتيكية سينمائية إلى حد بعيد»، وربما كانت بناءً على اتفاقات غير معلنة (لإنهاء الحرب)، لأن الرد الإيراني قد يكون رمزياً، وقد انطلق بالفعل تجاه إسرائيل وأوقع إصابات. ويرى أنور أن كلا الطرفين بعد ذلك سيحرص على تقديم نفسه كمنتصر، وأنه أفشل مخططات الآخر، ويُكتفى بهذه الجولة التي استمرت عشرة أيام، مشيراً إلى أن «هذا هو السيناريو المرجح في تقديري.. ولكن في الوقت ذاته قد تحدث خيانات لتلك الاتفاقات»، على حد وصفه. كان ترامب قد قال، إنه سوف ينتظر أسبوعين ثم يقرر ماذا سيفعل حيال إيران قبل أن يتم تنفيذ الضربة الأمريكية سريعاً دون انتظار انقضاء المهلة التي حددها.
ويقول أنور: «كان الجانب الإسرائيلي منهكاً، وكذلك الجانب الإيراني، وثمة توازن رعب بين الطرفين، ما يسهّل في سياقه الوصول إلى تهدئة غير معلنة وتخفيض حدة التصعيد بعد الضربة الأمريكية»، مردفاً: «نحن هنا نتحدث عن إشارة من ترامب بأن السلام قد بدأ، وهناك إشارات من الخارجية الإيرانية بوجود إمكانية للانخراط في تسوية سياسية.. وهذه المؤشرات هي على الأرجح ما سيغلب، وسيتم تقديمها للرأي العام في كلا الجانبين، لأن الأمر قد ينزلق إلى حرب موسعة».
ويوضح أنور أن الجانب الذي تلقى خسائر سيحاول التقليل منها، وكذلك الجانب الإسرائيلي. لذا «أرى أن السيناريو المرجح هو تفعيل تهدئة أو وقف غير معلن لإطلاق النار بين الجانبين».
بينما تشير تقارير أمريكية إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تستعد لاحتمال ردٍّ انتقامي من إيران في أعقاب الضربة التي استهدفت منشآت نووية رئيسية، وسط حالة تأهب قصوى خلال الساعات الثمانية والأربعين المقبلة، التي وصفتها مصادر أمريكية لشبكة «إن بي سي نيوز» بأنها مثار «قلق بالغ». وأوضح المسؤولون أن طبيعة الرد الإيراني لا تزال غير واضحة حتى الآن، سواء من حيث النطاق أو الجغرافيا، مرجّحين أن يشمل الرد مواقع داخلية أو خارجية أو كليهما. ووفقاً لما نقلته الشبكة عن مسؤولين مطّلعين على التخطيط العسكري، فإن إيران تمتلك بالفعل خططاً معدّة سلفاً لاستهداف القواعد والأصول الأمريكية في الشرق الأوسط، في حال قررت اللجوء إلى التصعيد العسكري.
تصعيد أوسع
من جانبه، يقول مستشار المركز العربي للدراسات، أبو بكر الديب، لـ «البيان»: «إن استهداف المنشآت النووية يُعدّ عملاً عدائياً من الدرجة الأولى، ومن الصعب أن تتجاهله إيران دون ردّ حاسم. وقد تعتبر طهران هذه الضربات إعلان حرب، فتردّ عسكرياً بشكل مباشر أو عبر حلفائها في المنطقة».
لكنه يضيف: «من ناحية أخرى، قد تكون الضربة رسالة ردع محدودة تهدف إلى إجبار إيران على التراجع والقبول بشروط تفاوض جديدة. وقد تراهن واشنطن على أن إيران لن تردّ بشكل واسع لتفادي حرب شاملة. في هذا السيناريو، تُعدّ الضربة أداة ضغط لا بداية لحرب مفتوحة»، معتبراً أن تصريحات ترامب قد تكون اختباراً لردّ الفعل الإيراني؛ فإذا جاء الرد محدوداً، قد تسعى واشنطن لاحتواء الموقف سياسياً. أما إذا كان الردّ قوياً، فسنكون أمام تصعيد تدريجي قد يشمل إغلاق مضيق هرمز أو استهداف منشآت في الخليج.
بالتالي، فإن الوضع الحالي - في تقدير الديب - لا يعكس نهاية حرب، بل دخول مرحلة جديدة من التوتر، قد تتطور إلى مواجهة أوسع إذا لم يتم احتواؤها سريعاً.
