هذا الصمت غير المعتاد يُفسّر داخل الأوساط السياسية الأمريكية على أنه يعكس تردداً أو خلافات داخل الإدارة والمستوى العسكري بشأن الخيارات المطروحة، واحتمالات الانخراط المباشر في مواجهة عسكرية قد تتسع.
واللافت للنظر أن 53 % من الذين صوّتوا لترامب سابقاً أعربوا عن رفضهم للتورط في الحرب، ما يشير إلى اهتزاز في التأييد داخل «معسكر ماغا» (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)، الذي شكّل حجر الزاوية في صعود ترامب السياسي.
كما أن من اللافت أن ترامب نفسه أدرك ذلك حين قال «أعلم أن كثيرين لا يعجبهم»، في إشارة إلى تهديداته بالتدخل.
ويأتي ذلك متزامناً مع إعلان منظمات أمريكية مناهضة للحرب، أبرزها «Hands Off» و«Indivisible»، عن تنظيم تظاهرات أمام البيت الأبيض، تحت شعارات مناهضة للحرب، ومطالبة بالعودة إلى المفاوضات.
هذا المشهد يستحضر أجواء الاحتجاجات المناهضة لحروب العراق وأفغانستان، وتدل على إرهاصات لحراك شعبي ضاغط ضد الحرب.
وأعرب السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز والنائب رو خانا عن معارضتهما الشديدة لأي مغامرة عسكرية، معتبرين أن الشعب الأمريكي «دفع ثمناً باهظاً لحروب لا نهاية لها».
تقرير لصحيفة ذي ميرور البريطانية، أكد أمس، أن دعم ترامب للهجمات الإسرائيلية على إيران يُشعل حرباً داخل حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» في الولايات المتحدة والتي تمثل القاعدة الانتخابية الرئيسية للرئيس الأمريكي.
وذكر التقرير أن «ما يقوم به ترامب يؤجج صراعاً بين أنصاره المتعصبين، في صدام يهزّ اليمين الأمريكي، ويُهدد بتفتيت قاعدته، ومع اقتراب ترامب من التورط في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، يُشكك بعض مؤيديه القدامى في وسائل الإعلام اليمينية في حكمه».
وتابع: إن «تحرك ترامب لدعم إسرائيل أثار غضب أصوات «ماغا»، التي كانت تُعتبر في السابق حلفاء رئيسيين لترامب، ومن بينهم، تاكر كارلسون وستيف بانون - وهما من أبرز المتحدثين باسم الحركة، حيث اتهماه بجر أمريكا نحو حرب كارثية في الشرق الأوسط.
وقال كارلسون خلال بودكاست «غرفة الحرب» لبانون: «أخشى حقاً أن يزداد ضعف بلدي بسبب هذا.
أعتقد أننا سنشهد نهاية الإمبراطورية الأمريكية». وأشار التقرير إلى أنه «ليس النقاد وحدهم من يثورون.
فقد لجأت عضو الكونغرس مارجوري تايلور غرين، المؤيدة لحركة «ماغا»، إلى «فيسبوك» منتقدة الدعم المتزايد لتدخل الولايات المتحدة في الصراع، محذرة من أنه يكشف عن هوية الجمهوريين «المزيفين» منذ البداية»، مضيفة «للأسف، قائمة المزيفين تطول، وانكشفت أسماؤهم بسرعة».
كارلسون، الذي فقد حصته في فوكس نيوز في أوقات الذروة عام 2023، وبنى منذ ذلك الحين منصة مستقلة قوية، هاجم فوكس نيوز بشدة «لتصعيدها الدعاية الإعلامية»، متهماً إياها بالتحريض على الحروب، قائلاً «الموضوع الوحيد الذي يطغى على تاريخ فوكس هو الترويج للحروب التي لا تخدم الولايات المتحدة».
فالدبلوماسي السابق ديفيد فريدمان اعتبر أن «الضربات قد تكون ضرورية لردع إيران ومنعها من امتلاك سلاح نووي».
وأظهر استطلاع سابق أجرته «فوكس نيوز» أن 61 % من الجمهوريين يؤيدون اللجوء إلى العمل العسكري لمنع إيران من التسلح النووي.
النتائج الحالية تضع حملة ترامب الرئاسية أمام اختبار صعب، فهو الذي أقنع ملايين الأمريكيين بأن خصومه «أمراء الحروب»، يجد نفسه اليوم في موقف دفاعي بعد أن اهتزت صورة «الرجل الذي يرفض الحروب».
وإذا استمر الانقسام داخل معسكره الانتخابي، فقد تتحول الحرب من «قضية أمن قومي» إلى قضية انقسام انتخابي تهدد وحدة خطابه السياسي.
فهل يراجع ترامب تموضعه؟ أم يغامر بخسارة شريحة من قاعدته الصلبة في سبيل مغامرة عسكرية قد لا تلقى غطاءً شعبياً ولا سياسياً؟