ترامب يقوض سلطة المؤسسات الثقافية الأمريكية

دونالد ترامب
دونالد ترامب
مؤسسة سميثسونيان
مؤسسة سميثسونيان
آموس براون
آموس براون
لوني بانش الثالث
لوني بانش الثالث
فيليب كينيكوت
فيليب كينيكوت
كارلا هايدن
كارلا هايدن
كيم ساجيت
كيم ساجيت
جاري بيترز
جاري بيترز
متحف التاريخ النسائي الأمريكي
متحف التاريخ النسائي الأمريكي
متحف التاريخ النسائي الأمريكي
متحف التاريخ النسائي الأمريكي
نسخة تاريخية لمقتنيات مارتن لوثر كينغ حجبت من متحف التاريخ الوطني الأفريقي
نسخة تاريخية لمقتنيات مارتن لوثر كينغ حجبت من متحف التاريخ الوطني الأفريقي
مذكرات سولمون نورثوب الذي استوحيت منها قصة فيلم "12 عاماً من العبودية" والتي تم حجبها
مذكرات سولمون نورثوب الذي استوحيت منها قصة فيلم "12 عاماً من العبودية" والتي تم حجبها
المتحف الوطني الأمريكي للتاريخ الأفريقي
المتحف الوطني الأمريكي للتاريخ الأفريقي

إقالة المسؤولين الحكوميين في أمريكا في عهد الرئيس ترامب، وغالبًا بطرق مثيرة للجدل، أصبحت سمة مميزة لإدارته. كثيرون احتجوا على هذه الإجراءات، وآخرون قبلوا إنهاء خدماتهم. ومع ذلك، اتخذت مديرة المعرض الوطني للصور، كيم ساجيت، نهجاً مختلفاً، حيث تجاهلت الرئيس واستمرت في الحضور إلى العمل.

على الرغم من أن فترة ولاية الرئيس ترامب الثانية لم تصل بعد إلى نصف السنة، إلا أن قطاع الفن والثقافة يتعرض لضغط شديد منذ تنصيبه.. ومؤخراً، في 30 مايو، قام الرئيس بفصل المديرة "ساجيت" عبر منصته على وسائل التواصل الاجتماعي، "تروث سوشيال".

في الوقت الذي تجاهلت فيه "ساجيت" قرار الفصل، واستمرت في الحضور إلى العمل حتى أوائل الأسبوع الماضي، فإن ذلك قد يضع "سميثسونيان"، التي تشرف على المعرض الوطني، في مواجهة كبيرة، في محاولة للتصدي لقرارات ترامب مع المؤسسات الثقافية الأمريكية.

وللتأكيد على سلطتها الشرعية في الإدارة المطلقة، أصدرت "سميثسونيان" بياناً أكد فيه استقلاليتها وحقها في تحديد سياسة التوظيف الخاصة بها. كما أنها تجاهلت في بيانها الرسمي التعليق بشكل مباشر على قرار فصل المديرة "ساجيت"، وشددت على أن "جميع قرارات التوظيف تتخذها وتخضع لتوجيهات الوزير، بإشراف من مجلس الإدارة"، وهو تحدٍ مباشر تقريباً لما صرح به ترامب على منصاته الاجتماعية.

فرض السيطرة

اتضح أن قرار فصل مديرة المعرض الوطني للصور لم يكن وحده ما أثار حفيظة المؤسسات الثقافية الأمريكية. فقد سبقه العديد من القرارات والأحداث التي تبنتها إدارة ترامب الثانية لإعادة تشكيل قطاع الفن والثقافة في الولايات المتحدة، وفقاً لمصالحها.

فمن جانب آخر، كانت هناك سلسلة من السياسات والقرارات المتعلقة بالميزانيات، التي أثرت بشكل كبير على القطاع الثقافي الأمريكي، بشكل مباشر وغير مباشر. في قلب حملة ترامب، كانت هناك جهود لتمكين سلطته المباشرة على المؤسسات الثقافية.

ومع تصاعد المناورات بين المؤسسات الثقافية الأمريكية أمام القرارات التي فرضها ترامب لتقويض سلطتها كإدارات مستقلة، هاجم دونالد ترامب ساجيت بشكل مباشر عبر منصة "تروث سوشيال"، واصفاً إياها بأنها "شخص ذو ميول حزبية عالية، وداعمة قوية لتحرير المحتوى الثقافي والفني، خاصةً فيما يتعلق بالتاريخ والهوية، وقضايا العرق والجندر".

استخدم ترامب ذلك كذريعة لفصلها، وذلك تزامنًا مع إطلاق "ساجيت"، رغم صدور قرار الفصل من إدارة المعرض الوطني، معرضاً بعنوان "رؤساء أمريكا"، تضمن لوحات مختلفة لزعماء سابقين، بما في ذلك ترامب، الذي ذُكر في تعليق على الصورة أنه تعرض لمحاكمات عزل وحدث تمرد في 6 يناير 2021، وهو أحد الأسباب التي ذكرت لفصلها، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".

فصل تعسفي

رداً على ذلك، تجاهلت "ساجيت" الرئيس ترامب، وعادت إلى عملها بشكل طبيعي. ويقول خبراء إن قرار فصلها غير قانوني، كما صرح السيناتور "غاري بيترز"، من ولاية ميشيغان، والذي يشغل أيضًا منصبًا في مجلس إدارة "سميثسونيان"، قائلًا: "ليس للرئيس أي سلطة على الإطلاق لفصلها. إن "سميثسونيان" مؤسسة مستقلة." وهذه القرارات ليست جديدة على ترامب، الذي فصل سابقًا أول امرأة أفريقية أمريكية تتولى قيادة مكتبة الكونغرس، "كارلا هايدن"، وأول امرأة تتولى رئاسة مركز كينيدي، "ديبورا روتر"، وعيّن نفسه رئيساً لها.

وحول تداعيات الأزمة، قال الناقد الفني الرئيسي في "واشنطن بوست"، "فيليب كينيكوت": "إن تنفيذ ترامب لقرار فصل "ساجيت" سيكون سابقة خطيرة تسمح للرئيس بتوظيف وفصل من يريد." والجدير بالذكر أن تهميش "سميثسونيان" من قبل الإدارة الأمريكية، هو أمر شائك جدًا، نظرًا لأهميتها في الثقافة والتعليم الأمريكي،إذ تأسست قبل نحو قرنين وجهة سياحية مفضلة، خاصة أن الدخول مجاني إلى متاحفها الـ21 المخصصة للتاريخ والثقافة الأميركية بالقرب من البيت الابيض.

كما انها تحظى بدعم وثقة مجلس النواب، ويعمل مسؤولو الحكومة في مجلس إدارتها، ويعمل ثلثا موظفيها من العاملين الفيدراليين. فهي مؤسسة مستقلة، حيث يقع على عاتق مجلس إدارتها فقط اختيار من يدير المعرض الوطني للصور، ولا يمكن فصل "ساجيت" إلا من قبل الأمين العام للمؤسسة، وليس من قبل الرئيس.

استهداف المؤسسات

ومع تصاعد الأحداث، تعرضت "سميثسونيان" أيضًا لسيل من الانتقادات من قبل "دونالد ترامب"، ففي أواخر مارس الماضي، استهدفها في تصريحاته، حيث قال إن "سميثسونيان"، الذي كان يُعتبر رمزًا للتميز الأمريكي، وصورة عالمية للإنجاز الثقافي، أصبح في السنوات الأخيرة تحت تأثير أيديولوجية تفرقة قائمة على العرق.

وأثر ذلك بشكل مباشر على إصدار أربع قرارات تنفيذية ضدها، من قبل ترامب، للتخلي عن برامجها الثقافية التي تتمتع بحرية التعبير، وخصوصًا المعارض والمكونات الحديثة التي ترفض تدخل الإدارة الأمريكية في المحتوى الثقافي، وفقاً لـ "بي بي سي". وتم تصنيف مكونات برامج "سميثسونيان"، وفي مقدمتها معرض "متحف التاريخ النسائي الأمريكي"، الذي جاء بعنوان "شكل السلطة: قصص العرق والنحت الأمريكي"، على أنها "غير حيادية أو غير منصفة" للتاريخ الأمريكي من قبل إدارة ترامب.

وفي ردها على ذلك، ذكرت "سميثسونيان" أن تعليقات الرئيس ترامب تهدف إلى تقليل دورها ومكانتها غير الحزبية، ما أدى إلى إصدار عدة قرارات من قبل مجلس الإدارة والأمين العام، لوني ج. بانش، الذي يشغل منصبًا السكرتير الرابع عشر للمؤسسة. ويشرف على 21 متحفًا، و21 مكتبة، وحديقة حيوانات وطنية، والعديد من مراكز الأبحاث والوحدات التعليمية.

ومن أهم القرارات التي أصدرها لوني ج. بانش الثالث هو تحديد توقعات مهام وسلطات مديري المتاحف والموظفين بشأن المحتوى في "سميثسونيان"، ومنح المديرين وقتًا معقولًا لإجراء التعديلات اللازمة لضمان حيادية المحتوى، وتقديم تقارير دورية إلى المجلس حول التقدم، وأي تغييرات في الموظفين حسب الحاجة أو النجاح.

رفض شعبي

إدارة "سميثسونيان"، لم تكن الوحيدة التي تعرضت لضغوط من قبل الإدارة الأمريكية، بل كانت النموذج الأبرز في قطاع المؤسسات الثقافية الكبرى في أمريكا، التي تعرضت لهجوم مباشر من إدارة ترامب، بهدف إعادة تشكيل أو التحكم في محتواها، في وقت تتصاعد فيه موجة الرفض الشعبي لهذا التدخل، الذي وُصف بأنه غير منطقي، خاصة مع محاولات المؤسسات الثقافية توفير حلول للتوافق مع الضغوط الحكومية والتعديل على مقترحاتها.

في حين قوبلت مساعي "سميثسونيان" لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف، بغضب من بعض المانحين. فعلى سبيل المثال، استجاب أحد متاحفها الفرعية، وهي "المتحف الوطني للتاريخ الأفريقي الأمريكي"، للأوامر الحكومية، فقام بالتخلي عن 32 قطعة من معرضه، امتثالًا لأمر صدر في 20 يناير الماضي، وهو إجراء أثر على المانحين الذين أعاروا تلك القطع.

وبهذا الصدد، قال "أَمُوس سي. براون"، الناشط في حقوق المدنية، إنه أعار المتحف نسخة من الكتاب المقدس كان لوالده، وكانت بحوزة "مارتن لوثر كينغ جونيور" خلال احتجاجاته، ووصف براون قرار المتحف بالتخلي عن النسخة بأنه "غير منطقي تمامًا"، وذكر أنه تم التعامل معه كإجراء روتيني عادي.

وفي حالة أخرى، تم سحب مذكرات محامي عمل لصالح سولمون نورثوب الذي أُلفت عنه السيرة الذاتية لفيلم "12 عامًا من العبودية" من قبل "المتحف الوطني للتاريخ الأفريقي" في مارس الماضي، بعد أن كانت معارة له منذ سبتمبر 2024، وتوقف عرضها فجأة، متزامنًا مع إصدار الأمر التنفيذي.

تهديد الميزانيات

يتضح أن النهج الذي تبعه "المتحف الوطني للتاريخ الأفريقي الأمريكي" مع بعض المانحين لعرض القطع النادرة، كان الحل الوحيد لتجنب الصراع مع إدارة ترامب وسياساتها ضد المؤسسات الثقافية، التي كانت تهدف إلى تقليل ميزانياتها بشكل كبير وإجبارها على التغيير أو إغلاقها بالكامل.

فعلى سبيل المثال، كانت "إدارة الكفاءات التابعه للحكومه المالي" DOGE" أداة حاسمة في هذا التقليص المالي، الذي استهدفت المؤسسات الثقافية المرتبطة بالحكومة الأمريكية، مثل "المعهد الوطني للمكتبات والمتاحف" (IMLS). وتعكس ميزانية "DOGE" أهدافها بشكل أكبر، وتؤثر على التمويل المقدم للمؤسسات الثقافية.

ومن الجدير بالذكر أنه قبل هذا التقليص الواسع في التمويل، كانت صناعة المتاحف في الولايات المتحدة تواجه بالفعل مشكلات. ففي يونيو 2024، حذر ثلثا المديرين من نقص التمويل، واحتاج أكثر من نصفهم إلى زيادة تتراوح بين 10 و20%، للوصول إلى وضع مستقر، بسبب فقدان مصادر التمويل الخاصة والعامة. واستمر هذا الوضع رغم ارتفاع عدد الزوار بعد جائحة كورونا.

وفي النهاية، ستفقد الولايات المتحدة نحو 266.7 مليون دولار من التمويل الثقافي، منها 55 مليون دولار ذهبت إلى متاحف حضرية كبرى، مثل "متحف متروبوليتان للفنون"، وأخرى لمتاحف إقليمية تلعب دورًا هامًا في الحفاظ على التاريخ والثقافة المحلية. ويخشى الخبراء أن تتوقف بعض هذه المؤسسات عن العمل إذا استمرت هذه التخفيضات المالية المقترحة.