ترقّب لمآلات الحرب في أوكرانيا.. والكرة في ملعب ترامب

عمال البلدية بجوار سيارات محترقة في ساحة مبنى تضرر جراء هجوم بطائرة دون طيار في أوديسا
عمال البلدية بجوار سيارات محترقة في ساحة مبنى تضرر جراء هجوم بطائرة دون طيار في أوديسا

بينما طوت الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، يبدو أن العام الجديد حافل بالتطورات المتسارعة التي تعكس تحولاً جوهرياً في موازين القوى المرتبطة بتلك الحرب، مع إطلاق إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شارة المحادثات المباشرة مع روسيا، في خطوة تعمدت استبعاد أوروبا من دائرة التأثير.

يحمل هذا النهج الأمريكي في طياته رسائل متعددة؛ أبرزها أن واشنطن باتت ترى أن «إنهاء الحرب لن يأتي من أوروبا». كما أن كييف، التي لطالما اعتمدت على الدعم الغربي، ترى في التقارب الأمريكي-الروسي تهديداً على أكثر من اتجاه؛ فهو بينما يُضعف فقط موقفها التفاوضي، فإنه يفتح كذلك الباب أمام سيناريوهات قد تفرض عليها تقديم تنازلات.

من جهة أخرى، أثار هذا التقارب بين واشنطن وموسكو حالة من التوجس داخل العواصم الأوروبية، التي اعتبرت أن عزلها عن المحادثات ليس مجرد تجاوز دبلوماسي، وإنما خطوة استراتيجية تهدد أمنها القومي. وجاءت ردود الفعل الأوروبية سريعة وحاسمة، عبر رسائل دعم واضحة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

كانت تلك الرسائل مصحوبة بشكل مباشر بتأكيدات على استمرار التمويل العسكري والاقتصادي لكييف، خلال قمة لندن يوم الأحد، وبعد المشادة غير المسبوقة بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، وذلك في محاولة لتثبيت موقفهم كحليف أساسي لا يمكن تجاوزه.

لاعبان

في تقدير الأستاذ بكلية موسكو العليا، رامي القليوبي، فإن الموقف الأوكراني والأوروبي لا يحمل أهمية كبيرة؛ لأن روسيا والولايات المتحدة هما اللاعبان الرئيسيان في ما يجري، مشيراً لدى حديثه مع «البيان» إلى أن كييف لا تستطيع التصدي للهجمات الروسية اعتماداً على الدعم الأوروبي فقط، مما يعني أن توقف الدعم الأمريكي سيمنح روسيا فرصة للتقدم على الأرض. وبعد ذلك، ستبدأ المفاوضات.

ومع ذلك، تسعى روسيا أولاً إلى تعزيز مواقعها ميدانياً، ومن المرجح أن يتم التوصل إلى تسوية وفق شروط أمريكية-روسية، بحسب القليوبي.

وفي قمة استثنائية دعا إليها رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، بعد قمة لندن، يناقش القادة الأوروبيون، يوم الخميس، ملف دعم أوكرانيا. وبحسب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فإنها تتطلع لعرض خطة «لإعادة تسليح أوروبا» خلال القمة المقررة في بروكسل.

تحولات

من موسكو، يقول المحلل السياسي، ديمتري بريجع، إن الأزمة الأوكرانية ستشهد تحولات ملحوظة خلال الأشهر المقبلة، في ظل سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإبرام صفقة المعادن، أو الدفع نحو تغيير سياسي في أوكرانيا قد يؤدي إلى الإطاحة بزيلينسكي واستبداله برئيس جديد، ما قد يثير اضطرابات داخلية واسعة.

ويوضح أن ترامب يبدو عازماً على التحالف مع روسيا بهدف معاقبة أوروبا وإعادة توجيه السياسات الأوروبية، وذلك خدمةً لمصالح واشنطن الاقتصادية، والتي تشمل إعادة الشركات الأمريكية إلى السوق الروسية، واستئناف التعاون في ملف الطاقة، فضلاً عن محاولة إبعاد موسكو عن بكين وطهران.

ويشير المحلل السياسي إلى أن الدعم الأوروبي لأوكرانيا لا يزال، في نظر ترامب، غير مجدٍ ولا يغيّر موازين القوى على الأرض، إلا أن الاستراتيجية التي قد يعتمدها ترامب لإعادة العلاقات مع روسيا — بما في ذلك الاعتراف بالمقاطعات الأوكرانية الأربع التي ضمتها موسكو — تبقى غامضة حتى اللحظة، خاصة في ظل الإشكاليات القانونية المرتبطة بهذا الاعتراف.

وتبقى الكثير من الأسئلة مفتوحة ومتوقفة على ما إذا كانت الدول الأوروبية ستواصل بالفعل دعمها لأوكرانيا، أم أن التصريحات الأوروبية لا تعدو كونها محاولة لإظهار استقلال الموقف الأوروبي عن الولايات المتحدة، وفق بريجع الذي يشير إلى أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في الكشف عن ملامح هذا المشهد السياسي المعقد، وسط توقعات باستمرار ترامب في ممارسة الضغط على أوروبا.

وبينما تُمسك الولايات المتحدة بالخيوط الرئيسية فيما يتصل بمصير إنهاء الحرب، ومع تعهد ترامب بإنهائها، فإن المحلل السياسي من موسكو، تيمور دويدار، يعتقد بأن جزءاً من محادثات السلام الحالية يرتبط بموقف أوكرانيا نفسها.

ويشير إلى أن هذه الإدارة (الأوكرانية) أظهرت «تبعيتها للمخطط الغربي» في استخدام كييف ضد روسيا سياسياً وعسكرياً. وفي ضوء الموقف الأوكراني الراهن، يعتقد بأنه من المرجح أن تستمر الحرب في أوكرانيا، ولا سيما مع موقف واستراتيجيات الكتلة الغربية حالياً.