بانكسي.. جرافيتي سياسي يوصم جدران المحاكم الملكية التاريخية

قليلون هم من يثيرون الجدل مثل فنان الشارع الغامض بانكسي، ففي لحظة، يكون صوته السياسي المدوي مرسوماً على جدار تاريخي، وفي اللحظة التالية، تتحول أعماله إلى سلعة ثمينة تُسرق من المعارض الفنية.

هذا التناقض الفريد يضع فن بانكسي في قلب الأحداث، من جدارية مثيرة للجدل في لندن إلى حادثة سرقة تكشف الوجه الآخر لعالم الفن.

في قلب لندن، على جدار مبنى المحاكم الملكية، ظهرت جدارية جديدة لفنان الشارع بانكسي. لم تكن مجرد رسمة عابرة، بل كانت رسالة سياسية جريئة.

تُصوّر الجدارية قاضياً يرتدي شعره المستعار التقليدي وعباءة سوداء، ليس وهو ينطق بحكم، بل وهو يضرب بعنف متظاهراً ملقى على الأرض.

المشهد الدموي يتناثر فيه الدم على لافتة المتظاهر، في إشارة قوية إلى الصراع بين السلطة والاحتجاج.

لم يكن توقيت ظهور الجدارية عشوائياً؛ فقد جاء بعد يومين فقط من اعتقال ما يقرب من 900 شخص في مظاهرة بلندن ضد حظر مجموعة "فلسطين أكشن"، مما جعل العمل الفني بمثابة تعليق مباشر على الأحداث الجارية.

لم يكد العمل الفني يرى النور حتى تم تغطيته بسرعة بألواح بلاستيكية كبيرة وحاجزين معدنيين، تحت حراسة ضابطي أمن.

الموقع الذي اختاره بانكسي هو شارع "كاري" الهادئ عادةً خلف المحاكم الملكية، ولكنه تحول في يوم واحد إلى موقع صاخب، حيث تجمهر المتفرجون لالتقاط صور للرقعة التي تم إخفاؤها.

وقد شارك فنان الشارع المقيم في بريستول صورة للجدارية على حسابه في انستغرام، وهي طريقته المعتادة لتأكيد أصالة أعماله، وأرفقها بتعليق: "المحاكم الملكية، لندن".

لطالما كانت رسومات بانكسي المطبوعة بقوالب فنية (stencilled graffiti) ناقدة للسياسات الحكومية، والحرب، والرأسمالية.

ففي الصيف الماضي، بدأ حملة في العاصمة مكونة من تسعة أعمال ذات طابع حيواني، شملت أسماك الضاري المفترسة تسبح على كشك حراسة للشرطة، وذئباً عاوياً على طبق استقبال فضائي تمت إزالته من سطح متجر في بيكهام.

كما عُرف بانكسي أيضاً بأعماله في الضفة الغربية، ففي عام 2019، أنشأ "مشهد ميلاد معدّل" في فندق ببيت لحم، أظهر فيه "المسيح" أمام جدار الفصل الإسرائيلي، الذي بدا وكأن ثقبه نجمة، في عمل فني جمع بين الرمزية الدينية والسياسية.

بينما يثير فن بانكسي الجدل السياسي، فإن قيمته السوقية تجعله أيضاً هدفاً للسرقة، ففي حادثة منفصلة، حُكم على رجل بالسجن لمدة ستة أشهر بعد سرقته قطعة فنية للفنان بقيمة 95 ألف جنيه إسترليني.

وأبلغت قاضية بلفاست باتريشيا سميث، الرجل البالغ من العمر 50 عاماً، عادل حجاج، أنه سيقضي ستة أشهر إضافية تحت المراقبة بعد إطلاق سراحه.

وكان حجاج قد أقر بالذنب في تهمة سرقة لوحة "اضحك الآن" (Laugh Now)، وهي طبعة محدودة الإصدار، من معرض تشارلز جيلمور للفنون الجميلة.

وقدّمت النيابة العامة تفاصيل دقيقة عن الحادثة. ففي حوالي الساعة الرابعة مساءً من يوم 2 أبريل 2025 ، كانت نائبة مدير المعرض وحيدة. دخل رجلان، أحدهما حجاج الذي كانت قد تعرفت عليه من زياراته السابقة، والآخر مجهول.

بدأ الرجل المجهول يطرح "أسئلة عشوائية" حول أصالة الأعمال الفنية المعروضة. وقالت نائبة المدير للشرطة: "بدأ يرتفع فوقي في محاولة لتشتيت انتباهي وتحويله، متكئاً عليَّ بجسده ويحجب رؤيتي". بعد حوالي دقيقة، دخل حجاج المعرض.

وقالت المرأة إنها سمعت "خشخشة وحركة في الجزء الخلفي من المعرض"، ثم غادر حجاج حاملاً حقيبة تسوق من "بريمارك" كانت تحتوي على اللوحة.

استمر الرجل الآخر في طرح الأسئلة عليها وغادر بعد حوالي دقيقة، وبعدها لاحظت نائبة المدير أن لوحة بانكسي التي كانت على الحامل قد اختفت.

لاحقاً، استعادت الشرطة اللوحة من حجاج بينما كان يمشي على طول طريق "أورمو" القريب في جنوب بلفاست مع متهم آخر.

خلال المحاكمة، قال المحامي شون أوهير، محامي الدفاع، إن حجاج أشار إلى أن لديه "علاقة قوية جداً بالكحول"، وأن السرقة كانت محاولة منه للحصول على المال لشراء الكحول. وأضاف المحامي أن حجاج "مغربي الأصل ويطلب اللجوء هنا"، ويعيش على 40 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع، ولا يُسمح له بالعمل.

وقال المحامي إن حجاج "يؤكد أنه لم يكن على علم بقيمة القطعة"، وأنه كان يزور المعرض لأنه مهتم بالفن، لكنه لم يكن يعرف قيمتها المرتفعة.

وأشار إلى أن السرقة تفتقر إلى "التعقيد"، حيث خرج حجاج باللوحة في حقيبة تسوق بسيطة.

وفي ملاحظاتها عند النطق بالحكم، قالت قاضية بلفاست باتريشيا سميث إن من الواضح بالنسبة لها أن هذه السرقة كانت "مخططة وليست انتهازية".

وأشارت إلى أن حجاج لديه سجل إجرامي سابق بجرائم السرقة والغش، وارتكب سبع سرقات بين أكتوبر وديسمبر 2024. وخلصت القاضية إلى أن ظروف حجاج المالية المحدودة "لا تبرر" جرائمه المتكررة المتعلقة بالغش، وأنه "أظهر تجاهلاً تاماً للقانون ولضحاياه أيضاً".