بوتين يرفض التراجع.. فهل تبيع واشنطن "الدونباس" لإنهاء الحرب؟


تشتد لعبة الأوراق الجيوسياسية في ملف الحرب الأوكرانية، حيث يضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطالب "الدونباس ونوفوروسيا" كحدٍّ أدنى غير قابل للتنازل في أي تسوية سلام مستقبلية.

ويأتي هذا الإصرار العلني، الذي صدر من دلهي عشية لقائه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بالتزامن مع حراك دبلوماسي أمريكي غامض.

فبينما يجري وفد أمريكي محادثات داخل الكرملين حول خطة سلام مثيرة للجدل، يتجه وفد أوكراني رفيع المستوى إلى ميامي لبحث مصير هذه المقترحات.

هذا التقارب الظاهر في المواقف الروسية والأمريكية، وما يُقال عن وجود "نقاط مقبولة" للطرفين في الخطة الأمريكية، يثير تساؤلات حادة داخل العواصم الغربية.

وفي مقدمتها السؤال الأبرز: هل باتت واشنطن تمارس ضغوطًا خفية على كييف لقبول تنازلات إقليمية كبرى، تصل إلى مستوى "صفقة القرن" التي تنهي الحرب وفق المطالب الروسية وعلى حساب السيادة الأوكرانية؟

بوتين: "سنحرّر دونباس ونوفوروسيا… بالوسائل العسكرية أو غيرها"

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو ستسيطر على منطقة دونباس "بالوسائل العسكرية أو غيرها"، متمسّكًا بأحد أهم مطالبه الاستراتيجية، بينما يستعد المسؤولون الأوكرانيون لجولة جديدة من محادثات السلام التي لم تُسفر بعد عن أي اتفاق.

ووصل بوتين اليوم الخميس إلى نيودلهي، حيث يستضيفه ناريندرا مودي، بعد يومين فقط من لقائه في الكرملين مع وفد أمريكي بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف.

وفي موازاة ذلك، يتوجه مسؤولون أوكرانيون إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع نظرائهم الأمريكيين بشأن خطة لإنهاء الحرب، بحسب مصدر أوكراني مطّلع.

وقبل قمة مودي، قال بوتين في مقابلة مع قناة "إنديا توداي" إن روسيا "ستحرر دونباس ونوفوروسيا في كل الأحوال – بالوسائل العسكرية أو غيرها"، وفقًا لوكالة "تاس".

ضمّ تاريخي وصراع مفتوح

يُعدّ التنازل عن الأراضي في منطقة دونباس، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني ولم تبسط سيطرتها عليها بالكامل، أحد أبرز المطالب الروسية.

أما "نوفوروسيا" أو "روسيا الجديدة"، فهو مصطلح تاريخي يشير إلى مناطق غرب الإمبراطورية الروسية. وقد أعاد بوتين إحياءه واستخدمه في إعلان ضمّ القرم عام 2014.

ومع تمسّك موسكو بهذه المطالب الإقليمية التي يرفضها المسؤولون الأوكرانيون بشكل قاطع، يبدو الطريق نحو أي تسوية سلمية أكثر انسدادًا من أي وقت مضى.

تحليل صادم: التقدم الروسي بالغ البطء

ورغم اعتداد بوتين بتفاؤله العسكري، خلص تحليل أجراه معهد دراسات الحرب (ISW) إلى أن القوات الروسية، وفق معدل تقدمها الحالي، لن تتمكن من السيطرة على كامل منطقة دونيتسك قبل أغسطس 2027.

وفي وصفه لاجتماعه الأخير في موسكو مع ويتكوف وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، قال بوتين إن روسيا لم تتفق على بعض النقاط في المقترح الأمريكي، لكنها اعتبرتها "مهمات صعبة".

وكرر مطلبه بسحب القوات الأوكرانية من دونباس و"الامتناع عن العمل العسكري"، بحسب "تاس".

وأضاف أن الاجتماع استغرق وقتًا طويلاً لأن الجانبين كانا "يمرّان على كل نقطة من مقترحات السلام".

ترامب: "الاجتماع كان جيدًا جدًا"

من جهته، وصف دونالد ترامب اجتماع الوفد الأمريكي مع بوتين بأنه "جيد جدًا"، مؤكدًا اعتقاد الوفد بأن الرئيس الروسي "يريد أن تنتهي الحرب" – رغم عدم تحقيق المحادثات لأي اختراق ملموس.

وأضاف: "ما الذي سيخرج من هذا الاجتماع؟ لا يمكنني أن أخبرك، فالتفاهم يتطلب طرفين".

غموض يكتنف المفاوضات

لا يزال الطرفان متحفظين بشأن أي تقدم أحرزاه في الجولة الأخيرة من المفاوضات، والتي تتواصل منذ تسريب خطة من 28 نقطة وضعتها إدارة ترامب أواخر نوفمبر الماضي.

وقد رُفضت عدة نقاط في تلك الخطة سابقًا من قبل أوكرانيا ومسؤولين أوروبيين، واعتُبرت تنازلات كبيرة تصب في مصلحة روسيا.

ولم تُكشف إلا تفاصيل محدودة، من بينها اعتراف يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للسياسة الخارجية، بأن الاجتماع تناول مسألة الأراضي "التي بدونها لا نرى حلاً للأزمة".

وقال إن بعض النقاط في المقترحات الأمريكية "تبدو مقبولة إلى حد ما"، بينما "لا تناسبنا" نقاط أخرى.

محادثات ميامي: أوكرانيا تردّ

يتوجه المسؤولان الأوكرانيان رستم عمروف (رئيس الوفد) وأندريه هناتوف (رئيس الأركان العامة في كييف) إلى ميامي الخميس لإجراء محادثات خاصة مع الولايات المتحدة.

وسيبحث الوفد نتائج اجتماع ويتكوف وكوشنر في موسكو، وفقًا لأولكسندر بيفز، مستشار رئيس مكتب الرئاسة وعضو فريق المفاوضات.

وتأتي هذه المحادثات بعد أربعة أيام فقط من اجتماع رفيع المستوى بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، وصفه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأنه "جلسة مثمرة ومفيدة للغاية، حيث تم إحراز تقدم إضافي".