روسيا تختبر "سلاح يوم القيامة" بنجاح.. هل تعرفه؟

بوتين
بوتين


في خطوة تعيد رسم خرائط الردع النووي في القرن الحادي والعشرين، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، عن نجاح تجربة إطلاق الطوربيد النووي "بوسيدون" القادر على حمل رأس نووي ضخم يُطلَق من غواصات عملاقة تعمل بالطاقة النووية.

وصف بوتين التجربة بأنها «نجاح كبير يعزز قدرات روسيا الاستراتيجية»، مؤكداً أن الطوربيد «يتجاوز حتى صاروخ سارمات الباليستي في إمكاناته الردعية» بحسب رويترز.

وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن بوسيدون، المعروف في الوثائق العسكرية الغربية باسم "ستيتوس 6"، يتجاوز كونه سلاحاً نووياً تقليدياً، إلى اعتباره منظومة هجومية مستقلة تحت البحر تعمل بمحرك نووي، وتستطيع التحرك آلاف الكيلومترات بسرعات تفوق 70 عقدة بحرية، حاملة رأساً نووياً بقوة تصل إلى 2 ميغاطن.

وتُطلق الغواصات الروسية من فئة "بيلغورود" هذا الطوربيد ليجوب أعماق المحيطات مستقلاً عن أي توجيه بشري مباشر، ما يمنحه القدرة على تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية.

يوصف "بوسيدون" في أدبيات الصحافة الغربية بـ«سلاح يوم القيامة»، نظراً لقدرته النظرية على توليد موجات تسونامي مشعة يمكنها شلُّ الحياة على السواحل التي تستهدفها، بحسب "رويترز". وتضيف أن الإعلان الروسي الأخير «يمثل استعراضاً رمزياً للقوة أكثر منه خطوة عملياتية»، إذ لا توجد بعدُ دلائل تؤكد جاهزية السلاح للنشر الفعلي على نطاق واسع.

أما "نشرة العلماء الذريين"، فتشير في دراستها البحثية الصادرة عام 2023 إلى أن «طوربيداً نووياً واحداً من طراز بوسيدون يمكنه تدمير مدينة ساحلية كبرى بالكامل»، لكنها تؤكد أن الهدف الأساسي من تطويره هو ردع الغرب نفسياً، لا استعماله ميدانياً، مؤكدة أن موسكو «تستثمر في الرعب بقدر ما تستثمر في السلاح».

وتتفق التحليلات الغربية على أن نجاح تجربة بوسيدون، أياً كان مستواها الفعلي، ينذر بتبدّل جذري في مفهوم الردع البحري.

فبدلاً من معادلة «الردّ الصاروخي من البر أو الجو»، تدخل روسيا اليوم عصر الردّ من الأعماق، وهو ما يربك موازين الدفاع الغربية ويجعل من البحر فضاءً غير قابل للرصد الكامل.

ويرى خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن أن بوسيدون يعزز نظرية «الضربة الثانية» التي تسعى موسكو إلى ترسيخها في مواجهة الناتو، والتي تقضي بضرورة أن تبني روسيا وتُحافظ على قدرة ضربةٍ ثانيةٍ موثوقة، تُعرف أيضاً باسم "قوات الانتقام النووي" ولا سيما عندما تكون القوات التقليدية تحت الضغط.

تحديات تقنية

في المقابل، يلفت تقرير "وول ستريت جورنال" إلى أن «الحديث الروسي عن الجاهزية قد لا يعكس واقع التطوير»، مشيراً إلى عقبات فنية كبيرة تتعلق بأنظمة التوجيه والاستشعار تحت الماء، وصعوبة إبقاء الطوربيد متخفياً خلال مساره الطويل.

كما تُثار تساؤلات حول كلفة الإنتاج الضخمة والتحديات البيئية المرتبطة بتجارب المحركات النووية في أعماق البحار، إذ يخشى علماء البيئة من تسربات إشعاعية غير قابلة للسيطرة.

سلاح أم رسالة؟

تجمع التقارير الإعلامية على أن إعلان بوتين الأخير يحمل أبعاداً سياسية أكثر منها عسكرية؛ فروسيا، الغارقة في أزمتها الطويلة مع الغرب، تستخدم بوسيدون ورقةً لإعادة توجيه النقاش العالمي حول الردع النووي، وتأكيد حضورها كقوة قادرة على مفاجأة خصومها في الفضاءات غير المتوقعة، من القطب الشمالي إلى أعماق الأطلسي.

يقول تقرير نشره موقع "ذا أتلانتيك" إن «التهديد بالطوربيد قد يكون أداة تفاوض مثلما كانت الصواريخ العابرة للقارات في ستينيات الحرب الباردة»، ويضيف: «الكرملين يستدعي ذاكرة الرعب النووي ليعيد التوازن النفسي إلى طاولة الصراع».

وبينما تتفاوت الآراء حول جاهزية "بوسيدون"، يتفق معظم المحللين على أن نجاح التجربة الروسية يرمز إلى عودة خطاب الردع "عبر الرعب"، لا عبر القدرة الواقعية.. فهل سيظل بوسيدون طوربيداً دعائياً في حرب الأعصاب، نشهد على قوته الأسطورية يوماً؟