قبضة حديدية في سيدني.. كيف غيرت هجمات بوندي قوانين الحرية والسلاح في أستراليا للأبد؟"

في تحول جذري لمشهده الديمقراطي، يواجه المجتمع الأسترالي اليوم واحدة من أكثر اللحظات إثارة للجدل في تاريخه الحديث.

ففي أعقاب هجمات "بوندي" الدامية التي هزت أركان سيدني، لم تكتفِ الحكومة بتعزيز الأمن، بل أطلقت حزمة قوانين "عاجلة" مست حقوقاً كانت تُعتبر مقدسة؛ من حرية التعبير وحظر شعارات سياسية معينة، إلى فرض قيود صارمة على ملكية السلاح.

فهل أصبحت "السلامة العامة" ذريعة لتقويض الحريات المدنية في القارة البعيدة؟

أثارت التحركات التشريعية الأخيرة في ولاية "نيو ساوث ويلز" الأسترالية موجة عارمة من القلق بين جماعات الحقوق المدنية والمدافعين عن حقوق حيازة السلاح، حيث يُنظر إلى القوانين الجديدة المتسارعة على أنها تفرض قيوداً غير مسبوقة في أعقاب حادثة إطلاق النار في "بوندي" التي راح ضحيتها 15 شخصاً.

وقد استدعى رئيس الوزراء كريس مينز البرلمان في جلسة استثنائية لمناقشة تشريعات تقضي بحظر عبارة "عولمة الانتفاضة" وتوسيع صلاحيات الشرطة لفض التظاهرات وتقييد ملكية السلاح الفردي.

ورغم تأكيدات مينز بأن هذه التغييرات ضرورية لحماية المجتمع من "ثقافة التفكك" والدعوات للعنف، إلا أن المعارضين يرون فيها "رد فعل مبالغاً فيه" يضحي بحقوق 260 ألف مرخص للسلاح وملايين المتظاهرين السلميين.

وفيما يتعلق بجدلية مصطلح "الانتفاضة"، اتخذت الحكومة موقفاً حازماً باعتباره "دعوة صريحة للعنف" في شوارع سيدني وليس مجرد شعار سياسي مرتبط بالشرق الأوسط، وهو ما اعتبره مجلس نواب اليهود "لحظة فارقة" في محاربة معاداة السامية التي ارتفعت وتيرتها عالمياً ومحلياً.

وتاريخياً، يعود المصطلح لعام 1987 خلال المقاومة الفلسطينية، وبينما يراه البعض دعوة للتحريض، يصر المدافعون عن الحقوق المدنية على أنه يندرج تحت حرية التعبير السياسي.

وقد ترافق هذا الحظر مع منح الشرطة سلطات استثنائية لمنع التظاهر بالقرب من أماكن العبادة لمدة تصل لثلاثة أشهر بعد أي هجوم إرهابي، وهو ما اعتبره حقوقيون انتهاكاً لقرار المحكمة العليا السابق الذي يحمي حرية التواصل السياسي في المواقع الدينية بصفتها مراكز نفوذ سياسي مشروعة للنقد.

وعلى صعيد السلاح، أحدثت الإحصائيات المرتبطة بمنفذ هجوم بوندي "ساجد أكرم" صدمة في الأوساط التشريعية، حيث تبين امتلاكه لـــ 6  أسلحة مرخصة، مما دفع نحو فرض سقف لملكية السلاح لا يتجاوز4 أسلحة للأفراد و10 للمزارعين والرياضيين.

وتأتي هذه الخطوة تماشياً مع توجه عام في أستراليا بدأته ولاية أستراليا الغربية، بهدف تقليص عدد الأسلحة النارية التي تتجاوز حالياً 3.5 مليون سلاح مرخص في عموم البلاد "وفقاً لتقارير موقع (سياسة السلاح الدولي - GunPolicy.org)"

كما شملت التعديلات تقليص مدة تجديد الرخص من خمس سنوات إلى سنتين، مما يفرض رقابة دورية مشددة، وهو ما وصفه ممثلو حزب الصيادين والمزارعين بأنه "عقاب جماعي" للملتزمين بالقانون وتغطية على إخفاقات الوكالات الأمنية في مراقبة الأفراد الخطرين.

ولم تتوقف القيود عند السلاح والشعارات، بل امتدت لتشمل "هوية المتظاهر"؛ حيث مُنحت الشرطة صلاحيات انتزاع أغطية الوجه عن أي متظاهر يُشتبه بارتكابه مخالفة ولو بسيطة، وهو تحول جذري عن القوانين السابقة التي كانت تشترط وقوع جريمة كبرى أو اعتقال فعلي لاتخاذ هذا الإجراء.

ويرى مراقبون أن هذه القوانين قد تضع حداً لسمعة أستراليا كدولة "آمنة وديمقراطية" تمنح مساحة واسعة للنقد السياسي، حيث وصف متحدثون باسم مجموعات العمل من أجل فلسطين القوانين بأنها "استبدادية" وتغير ديناميكيات الحرية في البلاد.

وفي ظل هذا الانقسام، يبقى السؤال معلقاً حول ما إذا كانت هذه "الإجراءات الطارئة" ستصبح واقعاً دائماً يعيد تشكيل العقد الاجتماعي في أستراليا.