تتواصل شهادات المنشقين عن كوريا الشمالية في كشف عالم داخلي غريب تحكمه القوانين الشمولية والعقوبات القاسية، ما يجعل الحياة في البلاد أقرب إلى رواية خيالية مظلم، فبينما يعيش العالم الحديث على إيقاع الحرية والانفتاح، تبقى كوريا الشمالية واحدة من أكثر الدول انغلاقا، حيث تُدار حياة المواطنين بتفاصيلها اليومية تحت رقابة صارمة من النظام الحاكم.
تفرض الدولة على سكانها تمجيد الزعيم وأسرته باعتبارهم رموزا مقدسة لا يجوز المساس بها. وأي تصرف يُعتبر إهانة لعائلة كيم أو للحكومة قد يؤدي إلى السجن أو حتى الإعدام. ويُعد تمجيد القائد إلزاميا في الخطاب العام، حيث يُطلب من المواطنين عند ذكر اسم كيم جونغ أون استخدام ألقاب مثل "القائد الأعلى" أو "الزعيم العزيز".
وفي يوم 8 يونيو من كل عام، الذي يوافق ذكرى وفاة الرئيس المؤسس كيم إيل سونغ عام 1994، تفرض السلطات حالة حداد وطني صارمة يُمنع خلالها شرب الكحول أو الابتسام أو الرقص أو التحدث بصوت مرتفع، باعتبار ذلك إساءة لذكرى الزعيم الراحل، ومن يخالف التعليمات يُعرض نفسه للسجن أو العقوبة القاسية.
النظام الحاكم لا يتسامح أيضا مع أي مظهر من مظاهر قلة الاحترام تجاه الزعيم. ففي واقعة صادمة عام 2015، أُعدم وزير الدفاع هيون يونغ تشول رمياً بالمدفع المضاد للطائرات بعدما غفا أثناء خطاب كيم جونغ أون، واعتُبر نومه إهانة بالغة.
ورغم أن كوريا الشمالية تُجري انتخابات شكلية، فإنها بلا منافسين، إذ يُطرح اسم واحد فقط، كيم جونغ أون، ليضع المواطنون بطاقته في الصندوق دون اختيار. أما حرية التعبير فتكاد تكون معدومة؛ إذ يُمنع الاستماع إلى موسيقى أجنبية أو مشاهدة أفلام من الخارج، ويواجه المخالفون السجن لسنوات طويلة أو حتى الإعدام، خاصة إذا كانت المواد من كوريا الجنوبية.
الملابس والمظهر الخارجي يخضعان أيضا لقوانين مشددة، فارتداء الجينز الضيق يُعتبر رمزا للرأسمالية، كما فُرضت قصّات شعر محددة منذ عام 2013 لتوحيد مظهر المواطنين. ولا تملك النساء حرية في اختيار أزيائهن، إذ مُنعن من ارتداء السراويل حتى عام 2009، قبل أن يُعاد التضييق لاحقا بحجة مقاومة "تأثير الموضة الغربية".
أما حرية التنقل فمعدومة تقريبا، إذ يُحظر على المواطنين مغادرة البلاد دون إذن رسمي، كما تُراقب الحكومة حركة السياح بدقة، حيث يُرافقهم مرشدون رسميون ويُمنعون من التحدث إلى السكان بحرية. ويُعد الوصول إلى الإنترنت امتيازا نادرا لا يُمنح إلا لقلة من المسؤولين وتحت إشراف أمني مباشر.
اختيار المهنة ليس بيد الفرد، بل تحدده الدولة وفق احتياجاتها، ويحصل أبناء النخبة الحاكمة على أفضل المناصب، ومن يخالف الأوامر يُرسل إلى معسكرات العمل القسري.
ورغم هذه القيود، يواصل النظام فرض طقوس الولاء، حتى في الأزمات؛ فعند اندلاع الحرائق، يُلزم المواطنون بإنقاذ صور الزعماء أولاً قبل ممتلكاتهم أو حياتهم، كما حدث عام 2020 حين اعتُقلت أم لأنها أنقذت طفليها وتركَت الصور.
وتبقى كوريا الشمالية، وفق تقارير BBC وThe Guardian وHuffPost، مثالا صارخا على نظام يضع الولاء فوق الحرية، ويحوّل تفاصيل الحياة اليومية إلى سلسلة من القوانين الغريبة التي لا تشبه أي بلد آخر في العالم.


