"مؤامرة شنغهاي".. ما الذي أغضب ترامب؟

لم تنجح الاستراتيجية البسيطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه التنافس الدولي العابر للقارات. فقد بنى ترامب رؤيته على هدف معلن: إبعاد روسيا عن الصين. لكن قمة شنغهاي التي اختتمت اليوم، كشفت عن هشاشة رؤية الرئيس الأمريكي للعلاقات الدولية ومدى عمق التحالفات التي تربط بين قوى دولية منافسة، ومن المؤكد أنه شعر بالغضب وهو يتابع مشاهد الحفاوة المتبادلة بين الزعماء في شنغهاي قبل ان يشير إلى أن الصين وروسيا وكوريا الشمالية يخططون لمؤامرة ضد الولايات المتحدة.

في كل الأحوال، جنى بوتين من هذه القمة ما كان يريد. واختتم زيارته بعرض لافت للدعم من الحلفاء، ووعود بالأخوة الأبدية من كوريا الشمالية، وإعلانات عن تقدم في مشروع خط أنابيب مربح مع الصين.

وقد مثّلت الصور التي جمعت بين الزعيم الصيني شي جينبينغ، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وبوتين — في أول مرة يجتمعون فيها معاً — انتصاراً دعائياً مهماً للقادة الثلاثة، في استعراض للتحدي ضد القوة العالمية الأميركية.

كيم، الذي كان أحد أبرز الداعمين لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، تعهّد بأن يفعل «كل ما بوسعه لمساعدة» روسيا، قائلاً إنه يعتبر ذلك «واجباً أخوياً» تجاه موسكو. من جانبه، أشاد بوتين ببطولة الجنود الكوريين الشماليين الذين ساعدوا في صد توغّل أوكراني في منطقة كورسك الروسية. وكان الاثنان قد التقيا آخر مرة عندما زار بوتين بيونغ يانغ الصيف الماضي — وهي أول زيارة له إلى البلاد منذ 24 عاماً — حيث وقّع البلدان معاهدة دفاع مشترك تاريخية.

خط أنابيب «قوة سيبيريا 2»

وفي مؤتمر صحفي، كشف بوتين أن روسيا والصين توصّلتا إلى «توافق» بشأن خط أنابيب «قوة سيبيريا 2» — وهو مشروع طال تأجيله لنقل احتياطيات الغاز من غرب سيبيريا إلى شمال الصين عبر شرق منغوليا، ما يمنح بكين خيارات أكبر للتحوّط ضد الاعتماد المستقبلي على الغاز الطبيعي الأميركي المسال.

ويسعى بوتين منذ سنوات إلى ضم الصين كزبون أكبر للغاز الروسي بعد أن توقفت أوروبا إلى حد كبير عن شرائه عقب الحرب في أوكرانيا، فيما تضغط الاضطرابات في الشرق الأوسط على السوق. وقال بوتين إن بكين ستتلقى الطاقة بأسعار السوق، وإن إمدادات الغاز الروسي عبر خط الأنابيب الجديد قد تصل إلى 100 مليار متر مكعب.

وأضاف: «أخيراً، توصّل الطرفان المفاوضان إلى توافق. لا توجد صدقة من أي جانب. هذه اتفاقيات مفيدة للطرفين».

لكن بكين لم تؤكد بعد طبيعة الاتفاق، واكتفت بالتعهد بـ«الترويج الفعّال لمشروعات البنية التحتية والطاقة العابرة للحدود» مع روسيا ومنغوليا.

وفق تقرير "واشنطن بوست"، بدت أرقام بوتين متناقضة مع تصريحات أليكسي ميلر، الرئيس التنفيذي لشركة «غازبروم» الروسية العملاقة، الذي قال لوكالات أنباء روسية يوم الثلاثاء إن خط الأنابيب سيكون قادراً على توفير نصف الكمية التي ذكرها بوتين.

كما أُثيرت تساؤلات بشأن الأسعار وتمويل مشروع خط الأنابيب، ويرى خبراء أن «المذكرة القانونية الملزمة» التي وُقّعت بين بكين و«غازبروم» يوم الثلاثاء ليست التزاماً بقدر ما هي «خريطة طريق».

ترامب: مؤامرة ثلاثية

وقد أثارت صور اللقاءات وصفقات محتملة رد فعل غاضب من البيت الأبيض. ففي منشور على منصة «تروث سوشال»، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن القادة الثلاثة يجتمعون لـ«التآمر ضد الولايات المتحدة الأميركية».

لكن موسكو رفضت سريعًا هذه المزاعم. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «لا أحد يتآمر على شيء؛ لا أحد لديه الرغبة أو الوقت لذلك». ثم مازح بوتين قائلاً إن لدى الرئيس الأميركي «حس دعابة».

وفي وقت لاحق من يوم الأربعاء في واشنطن، قال ترامب إنه يخطط للتحدث مع بوتين «خلال الأيام القليلة المقبلة». وأضاف: «سأعرف بالضبط ما الذي يحدث»، محذرًا من أنه إذا اتخذ بوتين قرارات لا ترضي واشنطن «فسترون ما سيحدث». كما لوّح بإمكانية المضي أبعد من العقوبات الثانوية التي فرضها على الهند بسبب شرائها النفط الروسي، عبر فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة. وقال ترامب: «لم أبدأ المرحلة الثانية بعد ولا المرحلة الثالثة».

مع ذلك، أشارت القمة إلى فشل أحد أولويات سياسة ترامب: إبعاد روسيا عن فلك الصين. وقال ألكسندر غابوييف، مدير مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا، إن تلك الجهود لم تكن سوى «أرض أحلام».

وقال غابوييف إن معظم نتائج لقاء بكين ستظل «غير مرئية» في الوقت الحالي، موضحاً أن الوثائق والتصريحات المنشورة، بما في ذلك خطة «قوة سيبيريا 2»، لم تحمل مضموناً حقيقياً.

وأضاف: «لكن بالنظر إلى وجود شخصيات معينة في القاعة، بما في ذلك قادة عسكريون ومصرفيون، فمن المؤكد أن مناقشات مهمة — حول التعاون العسكري وتبادل التكنولوجيا وكيفية وضع استراتيجيات لمواجهة تعرفة ترامب — قد جرت».

وأشار إلى أن الرسالة من بكين كانت واضحة: «العالم أكبر بكثير من الغرب، وإذا لم يرغب الغرب في الانخراط، فإن بقية العالم سيمضي قدماً».

وبعد العرض العسكري، سافر كيم وبوتين معاً في سيارة ليموزين واحدة — بالطريقة نفسها التي فعلها بوتين مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قبل يومين — إلى دار ضيافة الدولة في بكين لإجراء محادثاتهما الخاصة.

واختتم بوتين اللقاء باحتضان الزعيم الكوري الشمالي ودعوته علناً لزيارة موسكو. وأكد الكرملين لاحقًا قبول كيم الدعوة، لكنه قال إن موعد الزيارة لم يحدد بعد.