موريس تشانج.. عملاق أشباه الموصلات وفكرة المسبك

أشرقت شمس عام 1931 في الصين، حاملة معها ميلاد طفل اسمه «موريس تشانج».

لم يكن أحد يعلم حينها أن هذا الطفل سيصبح يوماً ما عملاقاً في عالم التكنولوجيا، يغير مسار صناعة بأكملها، عبر شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة» المعروفة اختصاراً بـ«تي إس إم سي» (TSMC)، وهي أكبر مصنع مستقل لرقائق أشباه الموصلات في العالم. وتقدر ثروته حالياً بـ 5.2 مليارات دولار، فما هي قصته.

عاش «موريس تشانج» طفولة متنقلة، حيث كانت عائلته تنتقل في أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب، وقبل أن يبلغ الـ18 من عمره عاش في ست مدن، وقام بتغيير المدرسة 10 مرات، إلى أن وجد طريقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تكن رحلته سهلة، لكن عقله اللامع قاده إلى معاقل العلم، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث حصل على شهادات في الهندسة الميكانيكية، ومن ثم جامعة ستانفورد ليحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية.

في عام 1949، انتقل إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بجامعة «هارفارد» قبل أن ينتقل إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لدراسة الهندسة الميكانيكية.

المسبك النقي

في الثمانينيات، كانت معظم شركات أشباه الموصلات تقوم بتصميم وتصنيع رقائقها الخاصة بها. لاحظ «تشانج» فجوة في السوق والحاجة إلى مصنع متخصص في التصنيع فقط، دون أن يكون لديه تصميماته الخاصة. هذا النموذج، الذي أطلق عليه «المسبك النقي»، كان مبتكراً للغاية.

فقد سمح للشركات الأخرى (التي تُعرف الآن باسم «Fabless» أو «بدون مصنع») بالتركيز على التصميم والابتكار، مع ترك مهمة التصنيع لشركات مثل TSMC. وفي عام 1985 تحديداً، تم استدعاء «تشانج» من قبل الحكومة التايوانية لقيادة معهد أبحاث التكنولوجيا الصناعية (ITRI)، وكان موريس «تشانج» حينها في عمر 55 عاماً.

وفي إطار هذه المهمة، قام بتأسيس شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة» المعروفة اختصاراً بـ«تي إس إم سي» في عام 1987، بدعم كبير من الحكومة التايوانية (48% من رأس المال الأولي) وشركة Philips Electronics ('.5). كان هذا الاستثمار الأولي حوالي 220 مليون دولار.

وفي ذلك الوقت كانت الشركات تصمم الرقائق التي تصنعها بنفسها، بينما كانت فكرة «تشانج» مختلفة وهي تصنيع الرقائق التي صممها عملاؤها، وبالتالي مع عدم تصميم أو بيع رقائقها الخاصة فإن «تي إس إم سي» لم تتنافس أبداً مع عملائها، وفي المقابل لن يضطروا إلى تشغيل مصانع خاصة بهم لتصنيع الرقائق والتي تعتبر مرافق باهظة التكلفة.

لذلك فإن نموذج العمل المبتكر الذي قدمه «تشانج» أدى إلى تغيير الصناعة وأعاد هيكلة الطريقة التي تعمل بها صناعة الإلكترونيات وجعل «تي إس إم سي» إحدى الشركات المهمة بالنسبة للاقتصاد العالمي.

وتنتج الشركة حالياً أجزاء أساسية للحواسب والجوالات والسيارات وأنظمة الذكاء الاصطناعي والعديد من الأجهزة التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، وتشمل قائمة عملائها شركات كبرى منها «آبل» و«إنفيديا» و«كوالكوم».

البداية

في عام 1949، انتقل إلى الولايات المتحدة حيث التحق بجامعة «هارفارد» قبل أن ينتقل إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لدراسة الهندسة الميكانيكية.

وفي عام 1955 عندما فشل مرتين في امتحان التأهيل للحصول على درجة الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قرر الانضمام لسوق العمل.

وحصل على عرضين، أحدهما من صانعة السيارات «فورد موتور» والآخر من شركة إلكترونيات أقل شهرة باسم «سيلفانيا».

عرضت «فورد» على «تشانج» مبلغ 479 دولاراً شهرياً للعمل في مركز البحث والتطوير التابع لها في ديترويت، ولكن ذلك العرض كان أقل بدولار واحد فقط عن عرض «سيلفانيا» البالغ 480 دولاراً في الشهر.

وعندما تواصل مع مسؤول التوظيف لدى «فورد» ليطلب منه عرضاً مناسباً، أخبره أنه لن يحصل على سنت واحد إضافي، لذلك تولى «تشانج» الوظيفة الهندسية لدى «سيلفانيا» والتي تعلم من خلالها الترانزستورات المكون الأساسي للرقائق الدقيقة، وقال «تشانج» عن تلك الوظيفة: كانت تلك بداية مسيرتي المهنية في مجال أشباه الموصلات.

في عام 1958 انتقل إلى شركة أشباه الموصلات «تكساس إنسترونتس»، وقضى موريس ما يقرب من ربع قرن من حياته المهنية فيها، وهي واحدة من عمالقة صناعة أشباه الموصلات آنذاك.

كانت هذه السنوات بمثابة بوتقة صهر لخبرته ومعرفته العميقة بالصناعة، من تصميم الرقائق المعقدة إلى التحديات الهائلة في تصنيعها.

وفي أواخر السبعينات، حولت الشركة تركيزها إلى السوق المزدهرة الخاصة بالآلات الحاسبة والساعات الرقمية والحواسب المنزلية، ولكن أدرك أن حياته المهنية تقترب من طريق مسدود لينتقل إلى شركة صناعة الرقائق «جنرال إنسترومنت» عام 1984، قبل أن ينتهي بيه المطاف بتأسيسي شركة «تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة» (تي إس إم سي) .