الديدان الحطامية كشفت موقع هيكل سفينة كابتن كوك

لطالما كانت مغامرات استكشاف العالم من أهم إنجازات البشرية، ومن بين السفن التي خُلدت أسماؤها في التاريخ، تأتي سفينة كابتن جيمس كوك، «إنديفور»، التي غادرت ميناء بليموث البريطاني في عام 1768، وقطعت المحيطات، وزارت تاهيتي، ونيوزيلندا، ووصلت إلى سواحل أستراليا في عام 1770، محققة إنجازات غير مسبوقة، لكن سراً ظل غامضاً لعقود، وهو مكان وجودها بعد غرقها.

في إنجازٍ تاريخي، حدّد خبراء من المتحف البحري الوطني الأسترالي (ANMM) حطام السفينة المعروف باسم «إتش إم إس إنديفور» ضمن إحداثيات RI 2394 بعد مقارنة السمات المادية للحطام، مثل وضع الأخشاب، بالمخططات التاريخية للسفينة، كما تتطابق أبعاد الحطام بشكل كبير مع تلك المسجلة في مسحٍ أُجري عام 1768 لسفينة إنديفور، وكشف تحليل الأخشاب عن أصولها الأوروبية، وهو ما يتوافق مع السجلات التاريخية لإصلاحات السفينة عام 1776.

الديدان الحطامية

وفي عام 2022، أعلن الباحثان ماركيان هوستي وجيمس هانتر نتائج دراستهما التي حددت الموقع في النقطة RI 2394، كحطام إنديفور، بعد أن تمكن فريق الغواصين من تحديد موقع مقدمة السفينة بناءً على المخططات التاريخية، وتحديد مكانها في الطرف الجنوبي من الحطام، إلى جانب اكتشاف خبير بريطاني متخصص في الكائنات البحرية التي تأكل الخشب أن الحطام كان يتعرض لآكلة الحطام البحرية «الديدان الحطامية»، التي كانت تتغذى على أجزاء من هيكل السفينة.

وبالعودة إلى عام 2021، تمكن فريق من العلماء الأستراليين من تحديد موقع الحطام الذي يُعتقد أنه يعود لإنديفور، قبالة سواحل رود آيلاند في الولايات المتحدة. استغرقت الدراسة، التي بدأت منذ عام 1999، جهوداً وتعاوناً موسعاً مع مشروع الآثار البحرية في رود آيلاند، وأبحاثاً في مؤسسات دولية، حتى أصدرت اللجنة العلمية تقريرها النهائي في بداية عام 2023، مؤكدة أن الموقع هو بالفعل حطام السفينة المفقودة.

منذ ذلك الحين، شارك الباحثان في العديد من المؤتمرات الدولية، مثل المؤتمر العالمي للآثار البحرية، وندوة الحفاظ على التراث في الآثار البحرية، والمؤتمر الأسترالي للغطس المتقدم، ولم يواجهوا مقاومة تُذكر لنظريتهم، بل إن هذا الاكتشاف يُعد من أهم إنجازاتهم العلمية والتاريخية، ويُعد خطوة مهمة في الكشف عن أسرار السفن القديمة، وتأكيداً على أن التاريخ البحري يكتنز الكثير من الأسرار التي تنتظر من يكتشفها.

10 معايير

وقد وضع الفريق 10 معايير صارمة لتأكيد الهوية، شملت نوعية المادة المستخدمة، وأبعاد الهيكل، وأدلة على أن السفينة غمرتها المياه عمداً، إضافة إلى خصائص معمارية تتطابق مع مخططات إنديفور القديمة. وخلصت الأدلة إلى أن الخشب المستخدم هو من نوع البلوط الأبيض، الذي كان يفضله بناة السفن في بريطانيا في تلك الفترة، وأن الثقوب الموجودة على سطح الحطام تشير إلى أن السفينة تم غمرها عمداً، فيما تطابقت مواقع المضخات ونهاية العارضة مع تلك الموجودة في المخططات القديمة، مما عزز فرضية أن هذا هو الموقع الحقيقي للسفينة.

خاصية التصميم

كما أن وجود خاصية تصميم غير معتادة تُعرف باسم «الوصلة الشقفية» أو «السكارف»، والتي لا تظهر عادة في سفن تلك الفترة، تطابقت بدقة مع قياسات المخططات القديمة، ما أكد أن هذا هو حطام السفينة التي غادرت بريطانيا قبل أكثر من 250 عاماً. وأضاف التقرير أن قياسات أجزاء أخرى من الهيكل، مثل أبعاد القاع والأجزاء الداخلية، كانت مطابقة تماماً للمخططات التي أُعدت عام 1768، ما يجعل هذا الاكتشاف أحد أهم الإنجازات في عالم الآثار البحرية.

وفي حديثه عن أهمية الاكتشاف، قال دارييل كارب، مدير المتحف الوطني الأسترالي للبحرية، إن الدراسة استغرقت 25 عاماً من البحث الدقيق، وشملت تحقيقات تحت الماء في الولايات المتحدة، وأبحاثاً موسعة في مؤسسات عالمية، مشيراً إلى أن هذا التقرير هو بيانهم النهائي والمرجعي حول هذا الاكتشاف التاريخي.

أما عن ماضي السفينة، فقد كانت إنديفور تُستخدم في البداية لاستكشاف العالم، وقطعت المحيطات، وزارت تاهيتي، ونيوزيلندا، قبل أن تصل إلى أستراليا، وتصبح أول سفينة أوروبية تصل إلى الساحل الشرقي للقارة. وبعد تعرضها لحادثة غريبة، حين اصطدمت بالحاجز المرجاني العظيم ورست على الرمال في يونيو 1770، اضطرت إلى إصلاحات عاجلة، ثم عادت في رحلتها الطويلة.

مكوك فضائي

لاحقاً، تم بيع السفينة إلى رجل أعمال بريطاني وأُعيدت تسميتها إلى «اللورد ساندويتش 2»، واستخدمت خلال الحرب الثورية الأمريكية لنقل القوات، قبل أن تُغمر في عام 1778 بواسطة القوات البريطانية لمنع الفرنسيين من دخول ميناء نيوبورت. منذ ذلك الحين، بقي مكان وجودها مجهولاً، رغم أن أسطورة السفينة لا تزال حاضرة، حتى إن اسمها أُطلق على مكوك فضائي تابع لوكالة ناسا، وعلى وحدة القيادة في مهمة أبولو 15، التي أخذت قطعة صغيرة من خشبها إلى الفضاء.