أكد معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، خلال الكلمة الافتتاحية للقمة العالمية للحكومات أن العالم اليوم يمر بمرحلة مفصلية من الحضارة الإنسانية، مستعرضاً معاليه الـ 25 عاماً الماضية لاستشراف الـ 25 عاماً القادمة.
وقال معاليه: «مر العالم في 31 عام ديسمبر 1999 بمرحلة خوف من انهيار الأنظمة وقطاع الاتصالات وفي الدقيقة الأولى من عام 2000 انتهى الخوف وتنفس العالم الصعداء، بعد انتهاء ذلك الكابوس».
وتابع: «كان تخوف العالم مصدره التكنولوجيا وما لم يتوقعه العالم أن الخوف سيأتي من كهوف تورابورا في أفغانستان لا من أجهزة الحواسب، حيث بدأت بأحداث 11 سبتمبر ليتبعها غزو أفغانستان ومن ثم العراق وفي عام 2008 شهدنا الأزمة المالية العالمية، ومن ثم أحداث الربيع العربي، وجاءت بعدها أزمة جائحة «كورونا» في العام 2020، ومن ثم شهدنا حرب أوكرانيا ثم حرب غزة التي سجلت خسائر إنسانية مهولة، لقد كانت الـ 25 عاماً الماضية عاصفة بأحداثها ولكنها كانت أيضاً مدهشة بتحولاتها».
تحولات
وأضاف معالي محمد القرقاوي: «زاد السكان العالم من 6 مليارات نسمة في العام 2000 إلى 8.2 مليارات نسمة اليوم، ونمت التجارة الدولية من 7 تريليونات دولار إلى 13 تريليون دولار في عام 2024 وانتقل العالم من هيمنة الشركات الصناعية والتقليدية مثل شركات النفط والصناعات الثقيلة والخدمات المالية إلى صدارة شركات التكنولوجيا والمنصات الرقمية، كما شهد العالم تحولات عميقة في المشهد الاقتصادي حيث صعدت كل من الصين والهند مقابل تراجع بعض الدول الصناعية المتقدمة».
وأضاف رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات: «في عام 2000 كان عدد مستخدمي الانترنت حوالي 7% من عدد سكان الأرض واليوم 60%، حيث يستخدم 5 مليارات نسمة الانترنت، وكانت قيمة العملات الرقمية قبل 25 عاما "صفرا" واليوم قيمة العملات الرقمية بلغت 3 تريليونات دولار، وفي عام 2000 كنا نرى الحروب والتكنولوجيا والروبوتات العسكرية فقط في أفلام الخيال العلمي واليوم نراها على أرض الواقع، وقبل 25 عاماً كان العالم يخاف من الحروب النووية فقط وأما الآن فهو يخاف من الحروب السيبرانية والبيولوجية بالإضافة إلى الحروب النووية».
ماذا لو لم تكن الحروب والنزاعات خيار البشرية؟
وحدد معاليه 4 مشاهد تشكلت نتيجة هذه القرارات وقال: «المشهد الأول ماذا لو لم تكن الحروب والنزاعات خيار البشرية خلال الـ 25 سنة الماضية، حيث فقد العالم خلال هذه الأعوام أكثر من مليوني شخص نتيجة هذه الحروب وتشرد حوالي 120 مليون لاجئ، فقط 4% من كافة الصراعات انتهت باتفاقيات سلام، فماذا لو اخترنا السلام بدلاً من العنف والحلول الدبلوماسية بدلاً من العسكرية؟ نحن لا نفترض عالماً أفلاطونياً ولكننا حتماً كبشر يمكننا اتخاذ قرارات أكثر حكمة وندرك أن عوائد الاستقرار والسلام والتعايش أكبر بكثير ما يمكن أن تجلبه النزاعات وكما يقال من لا يتعلم من التاريخ سيكرر أخطاءه».
وأما المشهد الثاني، فهو ماذا لو لم يكن الاقتصاد هو المعيار الأساسي في قياس رفاة الشعوب؟ فخلال 25 سنة الماضية تشير الدراسات إلى أن أكبر الاقتصادات في العالم ليست هي الأسعد وليست هي الأكثر استقراراً ورفاهاً، فهل النمو الاقتصادي وحده يعكس رفاه المجتمعات في عالم يبتعد عن القيم المجتمعية والروابط الأسرية؟ هناك 280 مليون شخص يعانون من الاكتئاب حول العالم الاقتصاد العالمي ويتكبد العالم تريليون دولار سنوياً نتيجة هذه الأمراض، فماذا لو ركزت الحكومات في سياستها على جودة النمو كما تركز على كمية النمو؟ ماذا لو كان قياس الرفاه يغطي الأبعاد الاجتماعية والبيئية والصحية كالرعاية النفسية والحفاظ على الأسرة وتعزيز منظومة القيم النبيلة في المجتمعات.
وأما المشهد الثالث، ماذا لو كان بناء الثقة أولويات الحكومات ؟، الثقة هي أساس العلاقات وأساس التعاملات وأساس الحكومات ولكن بين عام 2000 إلى 2025 شهدنا تراجعاً في معدل الثقة في الحكومات في كثير من دول العالم وأكبر دليل على ذلك تصاعد موجات الاحتجاجات والحركات الشعبوية ولو نظرنا إلى مؤشر الثقة العالمية لرأينا أن الثقة بالحكومات لا تتعدى 52% فقط، فمن لا يتعلم من التاريخ سيكرر أخطاءه.
وأما المشهد الرابع، ماذا لو قادت الدوافع الإنسانية الأجندة العالمية على مدى 25 سنة الماضية، رغم أننا حققنا انجازات كثيرة في انتشال البشرية من الفقر والجهل والمرض إلا أنه لا يزال يعيش حوالي 630 مليون شخص تحت خط الفقر وحسب الدراسات سنحتاج 800 مليار دولار سنوياً للقضاء على الجوع والمرض والجهل، نحن في دولة الإمارات نخصص سنوياً 1.5% من ناتجنا المحلي للإغاثة والدعم.
وقال معاليه: «إن القرار بأيدينا، والتغييرات التي شهدها العالم لم تكن مجرد أحداث عابرة بل هي دروس متراكمة، والحكومات التي تقرأ الماضي بعمق هي القادرة على تصميم المستقبل».
توقعات مستقبلية
واستعرض معالي محمد القرقاوي أهم التوقعات والتصورات للـ 25 عاماً القادمة، وقال: «بعد 25 عاماً من الآن سيصل عدد السكان العالم إلى 10 مليارات نسمة وسيكون أغلب النمو في آسيا وأفريقيا، فكيف سيؤثر ذلك على سوق العمل والاستهلاك في عام 2050؟ سيكون أكثر من 20% من سكان العالم فوق سنة 60 مقارنة بـ 10% في عام 2000 فهل أنظمتنا الصحية والاجتماعية وأنظمة التقاعد جاهزة لذلك؟ وفي عام 2025 سيخدم البشر أكثر من 20 مليار روبوت فما تأثير ذلك على نمط حياتنا اجتماعيا ونفسياً وعلى أسواق عملنا؟ وكذلك على مستقبل المهارات بعد 25 عاماً حيث سيكون الفضاء الجزء الرئيسي من حياتنا واستثماراتنا وكذلك مواردنا فمن المتوقع أن يصل اقتصاد الفضاء إلى 4 تريلونات دولار، كيف سيكون شكل التعليم في عام 2050 هل سنحتاج إلى 12 عاماً دراسياً؟ هل نحتاج إلى جامعات أم سيكون الذكاء الاصطناعي بروفيسوراً خاصاً لكل شخص وفي عام 2050 بفضل تقنيات تعزيز القدرات ستتغير امكانات البشر عقلياً وجسدياً وقد تصبح كائنات لديها قدرات تقنية وبيولوجية خارقة وسيعيش الإنسان لمدة أطول، وسيتمكن الإنسان من حل مشكلات شبه مستحيلة في البيئة والطب والفضاء وقطاعات أخرى.
وتابع: «ما تحمله الـ 25 سنة القادمة من تطور سيفوق كل ما شهدت البشرية في تاريخ حضارتها، فما زال الذكاء الاصطناعي لم يولد بعد هو كجنين في طور النمو، نحن ندخل مرحلة جديدة من تاريخ البشرية تحتاج أدواتٍ جديدة ومنهجيةٍ جديدة ورؤيةٍ جديدة، تحتاج إلى قرارات من الحكومات والمنظمات والشركات والأفراد، وأهم درس يعلمنا إياه التاريخ أن القادم مختلف عن السابق والمتغيرات الاقتصادية والتقنية ستكون أيضاً مختلفة بشكل كامل، دور الحكومات أن تستعد لذلك لأن ما سيأتي هو تاريخ جديد سيكتب بقواعد جديدة.







