وسط التغيرات التكنولوجية والمجتمعية المتسارعة، وتزايد اعتماد الأبناء على الأجهزة الذكية، وارتباطهم بوسائل التواصل الاجتماعي، تبرز الحاجة إلى تنمية حس المسؤولية لدى النشء، وتنمية مهاراتهم الحياتية، وتعزيز روح التعاون.
في هذا الصدد، أوضح مختصون وأولياء أمور، أن مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية، كترتيب غرفهم، والمشاركة في إعداد المائدة، وشراء الأغراض المنزلية، تنعكس إيجاباً على شخصية الأبناء ومستقبلهم، وترسخ قيم العمل الجماعي كما تعزز مهارات الاعتماد على النفس والانضباط والشعور بالانتماء، والاندماج الأسري، وتعزيز قدرتهم على التخطيط.
وأكدوا أنه يمكن تحفيزهم على المشاركة في الأعمال المنزلية، من خلال منحهم المكافآت المادية، وبناء شخصيات قوية ومسؤولة، وتنمية المهارات اللازمة لمستقبل أفضل، شريطة أن يتم ذلك بشكل متوازن ومدروس، أما المكافآت المادية، فيجب أن تكون وسيلة تحفيز، لا وسيلة إغراء دائمة، حتى لا تتحول إلى أداة لفقدان الحافز الداخلي.
وقال الدكتور ممدوح مختار استشاري علم النفس العلاجي، إن إسناد مهمة معينة للطفل، وتحميله مسؤولية إنجازها، يغرس فيه مهارة القيادة، وتنظيم الوقت وتحمل النتائج، وهي مهارات أساسية لبناء شخصية متزنة ومستقلة.
نتائج عكسية
وأشار مختار إلى أنه يجب أن تتناسب المهام مع عمر الطفل وقدراته، لتكون محفزة، وليست مثبطة، كما أن إنجاز الطفل للمهام ومكافأته على ذلك، يعزز ثقته بنفسه، وحذرت من أن الضغط المفرط أو فرض المهام دون توجيه، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل العناد، أو الشعور بالظلم والإحباط.
العمل الجماعي
إلى ذلك، أوضح الدكتور بدر الجابري المستشار النفسي الأسري في جودة الحياة، أن المكافآت المادية قد تكون مفيدة إذا استخدمت بذكاء، كأن تقدم على فترات متباعدة، أو ضمن خطة لتعزيز سلوك إيجابي معين، دون أن تكون هي الدافع الوحيد، لأن الهدف الأهم، هو ترسيخ قيمة العمل الجماعي والتعاون في نفس الطفل، دون مقابل دائم.
كما قالت إيمان حسين «تربوية»: إن بعض الأهالي يعتبرون أن الدراسة هي المهمة الأساسية لأطفالهم، ويشفقون عليهم، ولا يحملونهم أي مهام خلال إجازة العام الدراسي، لينالوا قسطاً من الراحة، ويتمكنوا من ممارسة هواياتهم الشخصية خلالها، استعداداً لاستقبال العام الدراسي ومشقاته من جديد.
ورأت أنه لتشجيع الطفل على المشاركة، يجب تحويل المهام المنزلية إلى أوقات ممتعة، وفي حال رفض القيام بمهامه، فمن الأفضل محاولة فهم مصدر تردده، ودعمه بدلاً من معاقبته، مشيرة إلى أهمية التعامل مع المهام بالتعاطف والإبداع، لتعزيز السلوك الإيجابي والتعاوني لدى الأبناء.
وقالت ريهام فوزي (معلمة): إن تخصيص مبلغ مالي مقابل إنجاز الأعمال المنزلية، يعد مدخلاً لتعليم الأطفال قيمة المال والعمل، محذرة من أن الإفراط في هذا الأسلوب، قد يزرع سلوكاً مشروطاً في نفس الطفل، وقد يجعله لا يقوم بأي واجب إلا مقابل مكافأة، إذ إن ربط كل سلوك إيجابي بالمقابل المادي، خطر على المدى الطويل.
وأجمع عدد من أولياء الأمور على أنه في النهاية، لا توجد وصفة واحدة تناسب كل الأطفال أو كل البيوت، لكنهم أكدوا أن الهدف الأسمى، ليس إنجاز المهام، بل بناء شخصية مستقلة، قادرة على تحمل المسؤولية.
وقالت سمر عبد الله، وهي أم لثلاثة أطفال: أحرص دائماً، لا سيما خلال فترة العطلة الصيفية للأبناء، على تخصيص مهام لكل ابن وابنة من أبنائي، حتى لو كانت بسيطة، شريطة أن تتلاءم مع أعمارهم، وأحياناً أقدم لهم مكافآت رمزية.
وأضافت: لاحظت من خلال هذه الطريقة، تحسناً لافتاً في سلوكهم، مقارنة بأقرانهم من أفراد العائلة أو أصدقائهم، وزيادة في حسهم بالمسؤولية، وانعكس إيجاباً على شخصيتهم وثقتهم بأنفسهم.
ورأى علي أحمد، أن ربط الأعمال المنزلية بالمكافآت المالية غير مجدٍ، ويقول إنه جرب هذا الأسلوب مع أبنائه، لكنه وجد أنهم أصبحوا يساومونه على كل شيء، مشيراً إلى أن الأفضل أن يفهموا أن المساعدة في شؤون البيت واجب عليهم، وليس خدمة مدفوعة.
مسؤولية أسرية
وقالت نادية غريب: إن الأطفال يحتاجون إلى إدراك أهمية إسهامهم في البيئة التي يوجدون فيها، وهو ما يفسر ضرورة مشاركتهم في الأعمال المنزلية، ويعد الأطفال الذين هم على وعي بأهمية دورهم داخل العائلة، أقل عرضة للشعور بتدني احترامهم لذواتهم.
وفي منزل فاطمة المزروعي، تلتزم ابنتها «مريم»، البالغة من العمر عشر سنوات، بترتيب غرفتها كل صباح، والمساعدة في تنظيف المائدة بعد العشاء، كل مهمة تسجل في جدول أسبوعي، يقابلها مبلغ رمزي في نهاية الأسبوع، وبالنسبة لوالدتها، هذا «راتب مصغر»، هدفه تعليم مريم قيمة الجهد والنقود.
لكن في منزل آخر، ترفض ريهام مراد هذا الأسلوب تماماً، وتؤمن أن الأعمال المنزلية جزء من المسؤولية الأسرية، التي لا تقاس بثمن.




