«الكمال الافتراضي».. جمال مزيف ينذر بـ 11 ضرراً نفسياً واجتماعياً

هوس بعض المراهقين والنساء وحتى الشباب بالجمال والتقاط صور بالمرشِّحات لتحسن من صورتهم، لنشرها في برامج التواصل الاجتماعي، أثر بشكل مباشر في نظرتهم إلى الجمال والنجاح والعلاقات.

وقال مختصون لـ«البيان» إن الصورة أصبحت اليوم تلخص قيمة الإنسان قبل كلماته، حيث تغلغلت «فلاتر» مواقع التواصل الاجتماعي في تفاصيل حياتنا اليومية حتى غيرت مفاهيم الجمال والثقة بالنفس، خصوصاً لدى الفئات الأقل وعياً بآثارها المدمرة على الحياة النفسية.

وتابعوا: بالرغم من أنها بدأت كأداة ترفيه خفيفة، إلا أنها تحولت تدريجياً إلى معيار خفي للحكم على الذات والآخرين، لتصنع جيلاً يعيش بين صورتين: إحداهما واقعية، والأخرى رقمية مثالية، وهو ما وصفوه بـ«متلازمة الوجه المثالي».

وأكدوا أن الإفراط في استخدام مرشحات الصور، لا سيما تلك التي تقدم نسخة محسنة منا، يقود إلى 11 ضرراً نفسياً واجتماعياً وهي: ضعف الثقة بالنفس، الشعور بعدم الرضا عن المظهر الطبيعي والواقعي، عدم احترام الذات، اضطراب صورة الجسد نتيجة المقارنة المستمرة بين الذات الحقيقية والصورة المعدلة، زيادة معدلات القلق والاكتئاب بسبب السعي وراء مظهر مثالي غير واقعي، تشويه معايير الجمال في المجتمع، تعزيز مفهوم الجمال المصطنع، ضعف التفاعل الواقعي والخوف من الظهور الطبيعي أمام الآخرين، تأثير سلبي على الأطفال الصغار الذين يتبنون مفاهيم غير صحيحة عن الجمال منذ الصغر، الانطواء، وارتفاع معدلات الاكتئاب.

حلول أساسية

ووضع المختصون 4 حلول أساسية لتلافي أضرار استخدام هذه «الفلاتر» على المجتمع وهي: تعزيز الثقة بالنفس وتقبل الذات، نشر محتوى إيجابي على وسائل التواصل، توعية الأسر والمراهقين بخطورة الفلاتر التي تغير الملامح، وتشجيع القدوات الواقعية التي تظهر مظهرها الطبيعي دون مبالغة.

«الأسرة الإيجابية»

وأكدت شيخة سعيد المنصوري، مدير عام مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال بالإنابة، أن المؤسسة أطلقت برنامج «الأسرة الإيجابية» لتعزيز أواصر التواصل والحوار والتفاعل الإيجابي بين أفراد الأسرة، لا سيما بين الآباء والأبناء، بما يعزز الدور المحوري للأسرة كنواة لحماية الأبناء من الانزلاق في مثل هذه الأمور وتوعيتهم بضرورة تقبل الذات، من أجل بناء أسر أكثر سعادة وترابطاً وتسامحاً وتمسكاً بالهوية الوطنية.

وأوضحت المنصوري أن الأسرة الإيجابية المتضامنة والمتماسكة والمتمسكة بهويتها الوطنية وقيمها الإنسانية ورقيها الأخلاقي والفكري والحضاري هي الضمانة لمستقبل مزدهر ونمو شامل ومستدام في المجتمع.

وأضافت أن البرنامج يشجع التحول من التربية التقليدية إلى مفهوم الأسرة الإيجابية، مما يدعم بشكل فعال، نمو وتعزيز مظاهر النمو الصحي والسليم، لدى الأطفال وأسرهم، ويستند إلى نتائج البحوث العلمية في مجالات علم النفس والعلوم النفسية والعصبية، ويشتمل على جلسات تدريبية، يشرف عليها نخبة من الخبراء المتخصصين، لتعزيز مهارات التواصل الإيجابي، والتفاعل مع الذات والأطفال، وكذلك استراتيجيات التعامل مع التحديات السلوكية، والتي من ضمنها الاعتماد المفرط على الفلاتر والتعديلات الرقمية مما يترك آثارا سلبية على الثقة بالنفس وصورة الجسد، خصوصا لدى الفتيات اليافعات.

كما يهدف البرنامج إلى إكساب الآباء مهارات التكيف الإيجابي مع الضغوط، والتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه الأسرة، وعلى رأسها التحديات التي تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الاجتماعية.
من جهتها، حذرت ناعمة الشامسي مستشارة نفسية وأسرية، من أن الإفراط في استخدام «فلاتر الصور» التي تظهر واقعاً جمالياً «معززاً»، بعيداً عن الواقعية مثل وجوه نحيفة، وأسنان ناصعة البياض وبشرة ناعمة وخالية من الشوائب، يحمل آثاراً نفسية واجتماعية خطيرة لا سيما على المراهقين والفتيات.

وذكرت الشامسي حالة لفتاة أرسلت صورة لها مدعمة بالفلتر المحسن للشكل، إلى أهل العريس وعندما حضروا إلى بيت أهلها لإلقاء النظرة الشرعية، تفاجأوا بأن شكلها مختلف تماماً عن الصورة التي أرسلتها، الأمر الذي جعلهم يعدلون عن الخطبة.

وأشارت إلى حالة أخرى لامرأة دأبت على نشر صورتها «بالفلتر»، وتحرص عند تواجدها في وسط جمع من الناس على تغطية وجهها حتى لا يتعرفوا عليها ويكتشفوا الاختلاف بين شكلها الحقيقي وبين صورتها بـ«الفلتر».

وسيلة للمرح

من جهته أوضح الدكتور جاسم المرزوقي مستشار العلاج النفسي والأسري في جمعية النهضة النسائية بدبي، أن الهوس بـ«الفلاتر» في تطبيقات الصور لم يعد مجرد موضة عابرة أو وسيلة للمرح، بل أصبح ظاهرة تؤثر على الصحة النفسية والجمالية للمجتمع، خصوصاً عند المراهقين والفتيات.

وأضاف أن «الفلاتر» أضحت المعيار الذي يقارن به الكثيرون أنفسهم، حتى صارت الملامح الحقيقية مصدر قلق بالنسبة لهم، مشيراً إلى أنه في الماضي، كان تعديل الصورة يقتصر على تحسين الإضاءة أو التعديل البسيط دون تغيير الملامح، أما الآن فالأمر تبدل، حيث باتت هذه المرشحات تعمد إلى تغيير الملامح بالكامل مثل تصغير الأنف، وتكبير الشفاه، وتصفية البشرة، وتضيف ملامح أقرب إلى «الكمال المصطنع».

وشدد الدكتور المرزوقي على أنه «مع تكرار استخدام مرشحات الصور المحسنة للشكل، يبدأ العقل بتصديق أن هذه النسخة «المفلترة»، هي الصورة الطبيعية والجميلة، وكل ما دونها ناقص أو مشوه، لا سيما عند الفتيات في سن المراهقات».

وأشار إلى وجود العديد من الدراسات التي أثبتت هذا الأثر، منها دراسة بريطانية حديثة خلصت إلى أن أكثر من 70 % من الفتيات بين 13 و19 سنة يشعرن بعدم الرضا عن مظهرهن بعد استخدام الفلاتر لفترة طويلة، وأن نسبة لا يستهان بها بدأت تفكر في إجراء عمليات تجميل لتشبه صورها المعدلة.

وأشار إلى دراسة أخرى أعدتها جامعة «ستانفورد» العام الماضي، بينت أن الاستخدام اليومي للفلاتر مرتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب والشعور بعدم الكفاية الذاتية، بل إن بعض الأطباء النفسيين بدأوا يلاحظون ظهور ما يعرف بـ«تشوه صورة الجسد الرقمي»، وهي حالة يصبح فيها الشخص غير راض عن ملامحه الحقيقية لأنه اعتاد رؤية نفسه من خلال الفلاتر، مما أفقده الإحساس بالواقعية.

تنوع طبيعي

وأوضح الدكتور أشرف سلامة أخصائي تجميل بدبي، أن العديد من النساء والفتيات وحتى الرجال والشباب يأتون إلى عيادات التجميل ويطلبون إجراء عمليات أو حتى بعض التقنيات التجميلية لكي تشبه وجوههم صورهم المعدلة بالفلاتر.

و ذكر أنه يستقبل باستمرار حالات لا سيما لفتيات يحملن صورة لهن معدلة بمرشحات الصور ويقلن: «نريد أن نبدو بهذا الشكل».

وقال الدكتور أشرف أن هذا الهوس لا يقتصر على الجانب النفسي فحسب، بل له تأثيرات اجتماعية وثقافية واضحة، فحين تتشابه الوجوه وتزال الفوارق، نفقد شيئاً من التنوع الطبيعي الذي يميز كل إنسان، ومع الوقت، تتكون معايير جديدة للجمال لا علاقة لها بالحقيقة، بل بما تصنعه الخوارزميات.

وأضاف أن هذا قد يخلق ضغطاً هائلاً على الفتيات والنساء اللواتي يشعرن أن عليهن الظهور بمظهر مثالي طوال الوقت.
جائزة لتقبل الذات
وقالت بشرى قائد خبيرة مجتمعية، إن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من هذه الأزمة، لأنها تكافئ «المظهر المثالي» بعدد أكبر من الإعجابات والمتابعين، مما يعزز ارتباط الجمال بالقيمة الذاتية، فتصبح الصورة المفلترة وسيلة للحصول على القبول، وليس مجرد تحسين بصري.

وأضافت: «مع الوقت، يترسخ لدى البعض اعتقاد خاطئ بأن قيمتهم تتحدد بعدد الإعجابات أو مدى تطابقهم مع «الجمال المتداول»، مقترحة أن يتم طرح جائزة من قبل جهة معنية في المجتمع أو حتى في المدارس والجامعات، تقدم للمتميز الذي يقدم محتوى يعبر عن تقبله لذاته بغض النظر عن شكله أو إعاقته.

وشددت على أهمية دور المدارس والجهات التربوية في تضمين موضوعات عن «الوعي الرقمي» و«الصورة الذاتية الواقعية» ضمن برامج التثقيف النفسي.

وأوضحت بشرى قائد أن الدور الأكبر يقع على عاتق الأسرة والمجتمع أيضاً، فمن المهم أن نعلم أبناءنا منذ الصغر أن الجمال الحقيقي لا يقاس بشكل معين، بل بحب الإنسان لنفسه وتقبله لذاته، كما أن علينا تعليمهم أن التنوع والاختلاف هو جمال في حد ذاته، وأن نوضح لهم أن الصور التي يرونها على الإنترنت ليست دائماً حقيقية.

نسخة محسنة

من ناحيتها، أوضحت أمينة محمد الطاهر (تربوية) أن «فلاتر» الصور ليست مجرد أدوات تعديل بصري، بل أضحت أداة تعيد تشكيل الوعي الجمالي لدى المستخدمين لاسيما من المراهقين، وتجعلهم يسعون وراء نسخة محسنة من أنفسهم حتى في الحياة الواقعية.

وحذر ت من أن هذا التوجه يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس، وتزايد حالات القلق الاجتماعي واضطرابات صورة الجسد، خصوصاً بين المراهقات اللواتي يقضين ساعات يومياً في تعديل ملامحهن الرقمية، وأصبح تقديرهن لذواتهن منوطاً بصورهن، الأمر الذي يدفعهن إلى الإقبال على عمليات التجميل بنسبة كبيرة للوصول إلى «الكمال الافتراضي».

ويرى عبدالله أبودياك مدير التطوير في «سكاي نيوز عربية» أن فلاتر الصور الحديثة لم تعد مجرد مؤثرات بصرية بل خوارزميات معقدة تعيد إنتاج ملامح الإنسان وفق معايير محددة للجمال.

وقال: تكمن الخطورة في أن هذه الخوارزميات غالباً ما تبرمج على ملامح مثالية أوروبية أو آسيوية، فتضعف التنوع الطبيعي، وتغرس لدى المستخدم إحساساً بأن ملامحه الأصلية بحاجة إلى تعديل دائم.

وأضاف: الحل لا يكمن في حظر الفلاتر، بل في تطوير أدوات رقمية أكثر شمولاً وعدالة تعكس تنوع الهويات والثقافات، إلى جانب رفع الوعي الإعلامي الرقمي بين المستخدمين. كما تربط الدراسات بين هذه الظاهرة وازدياد الشعور بالوحدة والمقارنة المستمرة.