أطباء: «الأكزيما» حالة التهابية مزمنة ذات أبعاد مناعية

دعا أطباء متخصصون في الأمراض الجلدية وطب الأطفال إلى عدم الاستهانة بمرض الأكزيما، مؤكدين أنه ليس مجرد طفح جلدي عابر، بل حالة التهابية مزمنة ومعقدة، ذات أبعاد مناعية ونفسية واجتماعية، تؤثر بشكل مباشر على جودة حياة المرضى وأسرهم.

وأشار الأطباء إلى أن نسب الإصابة تشهد ارتفاعاً مستمراً عالمياً، حيث يعاني نحو 20% من الأطفال، و10% من البالغين من الأكزيما بدرجات متفاوتة، كما كشفت دراسات عن زيادة ملحوظة في الحالات بدول الخليج العربي، نتيجة العوامل البيئية والمناخية القاسية.

أنواعه وأعراضه

وأكدت د. ابتهال سيد حسن سيد، أخصائية الأمراض الجلدية، أن مرض الأكزيما يعد من أكثر الحالات الجلدية تعقيداً، ويختلف أعراضه بحسب نوعها، إلا أن الحكة المزعجة والاحمرار والتورم تبقى القواسم المشتركة بين جميع الأنماط، موضحة أن الأعراض قد تظهر في مناطق مختلفة من الجسم مثل الرقبة، الرسغ، الساعد، الفخذ، الكاحل، وفي بعض الحالات النادرة قد تمتد إلى المنطقة التناسلية، ما يزيد من شدتها ومعاناة المريض.

وسلطت الضوء على التهاب الجلد التأتبي كونه أكثر الأنماط شيوعاً، ويظهر على شكل جفاف الجلد، حكة، وبقع حمراء في مناطق ثنايا الجسم، كالذراعين وخلف الركبتين واليدين والوجه.

أما التهاب الجلد حول الفم فيتجلى بطفح جلدي أحمر يحيط بالفم، في حين يتميز التهاب الجلد الحلئي الشكل بظهور بثور صغيرة مصحوبة بوخز وحرقان، تنتشر غالباً على الظهر والمرفقين والأرداف وفروة الرأس، وقد تصل أحياناً إلى الفم.

وبالنسبة إلى التهاب الجلد الدهني فهو غالباً ما يبدأ بـقشرة الرأس، ثم يتطور إلى بقع متقشرة على الوجه وخلف الأذنين والصدر، ويظهر لدى حديثي الولادة كونه طفحاً جلدياً سميكاً يميل للاصفرار.

وشددت د. سارة يعقوب، طبيبة الجلدية والتجميل، على أن مرض الأكزيما يمثل أكثر من مجرد حالة جلدية، وهو مرض مناعي مزمن، يفرض تحديات يومية على المرضى وأسرهم.

وأضافت أن المرض بأشكاله المختلفة يشترك في أعراض الحكة والجفاف والالتهاب، إلا أن الشدة والمظاهر تختلف باختلاف العمر ونمط الحياة، مشيرة إلى أن تأثير المرض يتجاوز الجلد، ليشمل النوم، الحالة المزاجية، التحصيل الدراسي للأطفال، والعلاقات الاجتماعية للبالغين، ما يجعل مرض الأكزيما مشكلة صحية ونفسية متشابكة.

وفيما يخص العلاج، أوضحت د. يعقوب أن المرطبات والكورتيكوستيرويدات الموضعية ما زالت تشكل حجر الأساس في السيطرة على الأعراض، غير أن السنوات الأخيرة شهدت طفرة في العلاجات البيولوجية مثل «دوبيليوماب» و«ترالوكيوماب»، بالإضافة إلى مثبطات إنزيم JAK، التي أظهرت فعالية كبيرة في تهدئة الحكة وتحسين جودة الحياة.

كما أشارت إلى الكريمات الحاجزة الحديثة، التي تُعزز مناعة الجلد، وتحافظ على رطوبته لفترات أطول، مؤكدة أهمية الدعم النفسي المنتظم، خاصة للأطفال الذين قد يشعرون بالحرج أو العزلة بسبب مظهر بشرتهم. ودعت إلى تكثيف حملات التوعية، وتفعيل مجموعات الدعم التي تمنح المرضى وأسرهم فرصة لتبادل الخبرات، وتعزيز الشعور بعدم الوحدة.

التأثير في الطفولة

وأوضحت د. سارة رزق، أخصائية طب الأطفال، أن مرض الأكزيما يعد من أكثر الأمراض الجلدية شيوعاً لدى الأطفال، ويصيب ما يقارب 20% منهم على مستوى العالم.

وأكدت أن المرض غير مُعدٍ، لكنه يترك أثراً كبيراً على نوعية حياة الطفل وعائلته، خاصة بسبب الحكة الليلية والجفاف المتكرر، ما يؤثر على النوم والتركيز الدراسي.

وأضافت أن أسباب الأكزيما ترتبط بتفاعل معقد بين العوامل الوراثية، المحفزات البيئية، والحساسية الغذائية، وأن العلاج لا يعتمد فقط على الأدوية، بل يقوم على الترطيب المستمر واستخدام منتجات لطيفة، وتجنب المحفزات مثل الغبار والمنظفات والأقمشة الصناعية.

وأشارت إلى أن الكورتيزون الموضعي ومثبطات المناعة الموضعية تستخدم بجرعات آمنة، إلى جانب العلاج الضوئي أو البيولوجي في الحالات المتقدمة، مؤكدة أهمية إشراك المدرسة في الخطة العلاجية، وطمأنة الطفل بأن حالته قابلة للسيطرة.

آفاق علاجية واعدة

إلى ذلك أكد الأطباء أن الأبحاث الحديثة تفتح آفاقاً جديدة لعلاج مرض الأكزيما، عبر التركيز على إعادة التوازن في الميكروبيوم الجلدي، واستخدام الخلايا الجذعية لإصلاح الحاجز الجلدي، وتطبيق الطب الشخصي بناء على التحاليل الجينية، ما يعزز فرص الوصول إلى علاجات مخصصة لكل مريض.

ورغم هذه التطورات شدد المختصون على أن مرض الأكزيما يبقى مرضاً طويل الأمد يتطلب التزاماً بالعلاج والرعاية، مؤكدين أن الوعي المبكر والدعم النفسي والاجتماعي هما أساس تحسين نوعية الحياة. واكدوا أن هذا المرض ليس مجرد مشكلة جلدية عابرة، بل معركة يومية يخوضها المرضى مع الحكة، الأرق، والتوتر النفسي.