يعتبر السادس من مايو عام 1976، محطة مضيئة في تاريخ الدولة، وبصمة خالدة في سجل الوطن، حيث عانق المجد تلك اللحظة التي اجتمعت فيها القلوب والعقول على هدف واحد، فكان القرار حاسماً، والنتائج عظيمة، والإرادة أقوى من كل التحديات.
وسطر هذا اليوم أحد أبرز القرارات التاريخية في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة، حين أعلن عن توحيد القوات المسلحة تحت راية واحدة وقيادة موحدة، في قرار لم يكن مجرد إجراء تنظيمي.
بل كان تتويجاً لرؤية استراتيجية بعيدة المدى، نسج خيوطها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، الذين آمنوا أن الوحدة الحقيقية لا تكتمل إلا بتوحيد القوة التي تحميها وتصون سيادتها.
خطوة استراتيجية
ويعتبر قرار توحيد القوات المسلحة خطوة استراتيجية تجسد رؤية وطنية بناءة، تهدف إلى تعزيز القدرة على التصدي للتحديات الجيوسياسية وتأسيس دولة حديثة وآمنة.
وكان هذا القرار خطوة مفصلية في ترسيخ أسس الاتحاد وتجسيداً حياً لمعاني الوحدة، ومطلباً وطنياً أساسياً لإبراز الهوية الوطنية وترسيخ قوة الاتحاد في كيان موحد يجمع أبناء الإمارات تحت راية واحدة.
وبعد إعلان قيام الاتحاد في 2 ديسمبر 1971، بدأت دولة الإمارات تخطو خطواتها الأولى بثقة نحو بناء دولة حديثة.
وكان الإيمان راسخاً لدى الآباء المؤسسين بأن الانطلاق نحو البناء والتقدم والتنمية في مختلف المجالات يتطلب وجود قوة تحمي المنجزات والمكتسبات وتصون الوطن وتدافع عن سيادته وتمده دائماً بالكوادر المواطنة المسلحة بالإرادة والعلم والوطنية والانتماء.
رؤية
وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رجل دولة من الطراز الرفيع، امتلك بصيرة استراتيجية وقدرة استثنائية على قراءة الواقع في ذاك الوقت واستشراف المستقبل، و تجلّت رؤيته في عدة محاور أبرزها: الوحدة أساس القوة.
حيث كان يؤمن بأن الأمن القومي لا يتحقق إلا بقوة عسكرية موحدة، قادرة على الدفاع عن الوطن وردع أي تهديد خارجي. وأن السيادة لا تتجزأ، فإذا توحدت الإمارات تحت علم واحد، فلا بد أن تكون لها قوة موحدة تحمي هذا العلم.
وأراد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن يكون الجندي الإماراتي ابناً لهذا الوطن بكل مكوناته، يخدم الدولة ويضحي لأجل رفعتها، ما رسخ قوة الانتماء وعزز الهوية الوطنية، وسعى من أجل تحقيق ذلك إلى بناء جيش عصري، مجهز بأحدث التقنيات، ويقوم على أسس علمية وتنظيمية احترافية.
حنكة قيادية
والحقيقة لم يكن قرار توحيد القوات المسلحة فردياً، بل جاء نتيجة توافق جماعي بين حكام الإمارات الذين وضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ليؤكد الرؤية الاستراتيجية والحنكة القيادية التي تميز بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، حيث أظهر هذا القرار مدى التلاحم بين القادة.
وتجسيدهم لفكر وحدوي أصيل، واجتمع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه الحكام، في السادس من مايو 1976، وأصدروا قرار توحيد القوات المسلحة. وتميز هذا القرار بكونه نتاج حوار وتفاهم عميق بين القيادة، وحرصهم على صياغة مستقبل الدولة بناءً على أسس صلبة.
مستقبل الدولة
ومثّل توحيد القوات المسلحة نقطة تحول كبرى في مسيرة الدولة، وحقّق إنجازات عديدة، أبرزها: تعزيز الأمن والاستقرار، وأصبح للاتحاد قوة موحدة تحمي حدوده وتحفظ أمنه الداخلي، وتعزز كفاءة الأداء العسكري.
حيث أتاح التوحيد الفرصة لبناء جيش احترافي يخضع لمعايير موحدة في التدريب والتسليح والانضباط. كذلك ترسيخ الهوية الوطنية، إذ انصهر الجنود من مختلف الإمارات تحت مظلة واحدة، ما عزّز مفهوم الانتماء للدولة. كما مثلت القوات المسلحة دولة الإمارات إقليمياً ودولياً تمثيلاً مشرفاً وأصبحت نموذجاً يحتذى في المنطقة، وشاركت في مهام حفظ السلام والدفاع عن الحق في ساحات عدة.
قيادة حكيمة
ولم يتوقف الاهتمام بالقوات المسلحة عند فكرة التوحيد، بل تواصلت الجهود لتطويرها، حيث تستمر الإمارات في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في بناء مؤسسة عسكرية قوية تعتمد على التدريب النوعي، وعلى الصناعات الدفاعية الوطنية.
وتأهيل الكوادر القيادية، إيماناً من سموه بأن تحديث القدرات القتالية للقوات المسلحة، وتعزيز جاهزيتها العملياتية، يعدان أولوية استراتيجية للدفاع عن الدولة والمحافظة على أمنها واستقرارها وإنجازاتها وضمان مستقبل مشرق لأبنائها.
وهذا ما نراه اليوم واقعاً ملموساً من خلال النقلة النوعية الكبيرة التي شهدتها القوات المسلحة كماً وكيفاً في جميع افرعها البرية والبحرية والجوية، وكانت نتاج خطط ودراسات متأنية وكذا نتيجة دعم واهتمام متواصلين من القادة وإحساساً بأهمية دور القوات المسلحة التي تمثل إحدى ركائز الدولة العصرية.
وأثبتت القوات المسلحة الإماراتية أنها بالفعل ركيزة التنمية الشاملة والمستدامة والضامن للمكتسبات الاقتصادية التي حققتها الدولة في المجالات كافة. وعلى مدار سنوات توحيدها حققت إنجازات كبيرة عبر الأداء البطولي والمشرف في المهام القتالية والإنسانية والإغاثية كافة، وشكلت صمام الأمان للوطن وتعزيز سيادته ومصدر فخر للجميع.