تواصل دولة الإمارات جهودها الدؤوبة والمستمرة في القيام بدور فاعل ومؤثر ضمن مساعي الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ساعية إلى إيجاد حلول سلمية تخفف من وطأة النزاع المستمر.
وفي خطوة جديدة على هذا المسار، نجحت الإمارات في التوسط لإتمام «أكبر عملية تبادل أسرى» منذ بداية الصراع، في خطوة تكلل الجهود الإماراتية الحثيثة، وتعكس التزام الدولة بمبادئ السلام والإنسانية، وتعزز من مكانتها بوصفها وسيطاً موثوقاً على مستوى العالم يسعى لإيجاد حلول توفق بين الأطراف المتنازعة.
نجحت جهود وساطة جديدة قامت بها دولة الإمارات بين موسكو وكييف، مؤخراً، في إطلاق سراح 538 أسيراً، ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تم تبادلهم بين البلدين في هذه الوساطات إلى 3771 أسيراً.
سياسة متوازنة
ويعكس دور الإمارات في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا مكانتها داعماً رئيسياً للسلام والحوار الدولي، ذلك أن الدولة تعتبر من أبرز الوسطاء في النزاعات الدولية، نظراً لسياساتها المتوازنة والمستقلة التي تتيح لها بناء علاقات قوية مع مختلف الأطراف.
تتمتع الإمارات بعلاقات مبنية على أساس من الثقة مع طرفي النزاع، علاوة على العلاقات القوية مع الولايات المتحدة وأوروبا، ما يعزز من مصداقيتها وقدرتها على تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
كما أن السياسة الخارجية الإماراتية ترتكز على مبادئ الاستقرار والسلام، ما يجعلها قادرة على تقديم حلول مبتكرة وواقعية بعيدة عن التحيز، وهو ما يفسر نجاحاتها المتعددة في الوساطات الإقليمية والدولية.
نموذج متكامل
من موسكو، يقول الكاتب والمحلل السياسي، ديمتري بريجع لـ«البيان» إن الدور الإماراتي «تجاوز حدود الوساطة التقليدية ليغدو نموذجاً متكاملاً للدبلوماسية الوقائية التي تجمع بين الحنكة السياسية والأدوات الاقتصادية والإنسانية».
بفضل شبكة علاقاتها المتوازنة مع القوى الكبرى كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأطراف المختلفة «استطاعت الإمارات نقل الحوار من حالة الانسداد إلى مساحات اختبار النيات عبر مبادرات تبادل الأسرى وفتح الممرات الإنسانية والتمهيد لترتيب لقاءات غير معلنة على مستويات متعددة»، بحسب بريجع، الذي يشير إلى أن «هذه المقاربة القائمة على البناء التدريجي للثقة أكسبت الجهود الإماراتية مكانة خاصة لجل دول العالم».
ومن زاوية استشرافية، يقول المحلل الروسي إنه «يمكن التعويل على الإمارات لدفع تسوية سلمية مستدامة؛ لثلاثة اعتبارات رئيسية؛ أولها ما يتعلق بالخبرة التراكمية التي تمتلكها الدولة في هندسة اتفاقات معقدة .
كما حدث في اتفاق السلام الإثيوبي الإريتري، وأخيراً اتفاقات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. هذه الإنجازات تمنح الأطراف المتحاربة مثالاً عملياً على إمكانية تحقيق اختراقات حقيقية».
قوة ناعمة
ثاني تلك العوامل يرتبط بما تحظى به القيادة الإماراتية من ثقة العواصم المؤثرة، بسبب سياستها الخارجية الفاعلة، ما يسمح لها بأداء دور الضامن المحايد لأي ترتيبات أمنية لاحقة بين روسيا وأوكرانيا، وثالثاً: تمتلك الإمارات أدوات قوة ناعمة أسهمت في تذليل العقبات.
ومع نجاح هذه الوساطة الإماراتية الأخيرة قبيل أيام، يبلغ مجموع الوساطات الإماراتية التي تمت خلال الأزمة 14 وساطة، والتي جاءت انطلاقاً من العلاقات المتميزة التي تجمع دولة الإمارات بروسيا الاتحادية وأوكرانيا، بحسب وزارة الخارجية الإماراتية، التي أكدت أن دولة الإمارات ستواصل مساعيها الرامية إلى إنجاح مختلف الجهود للتوصل إلى حل سلمي للنزاع في أوكرانيا، والتخفيف من الآثار الإنسانية الناجمة عن الأزمة، كاللاجئين والأسرى.
علاقات وثيقة
وتحظى دولة الإمارات بعلاقات متوازنة مع جميع القوى الكبرى، من الصين وروسيا إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى علاقات وثيقة مع مختلف الدول الإقليمية، وهذا ما يمنحها مكانة فريدة وثقة عالية في قدرتها على أداء دور الوسيط النزيه في أي مفاوضات قادمة بين روسيا وأوكرانيا.
ويقول مدير مركز جي إس إم للأبحاث والدراسات في موسكو، الدكتور آصف ملحم لـ«البيان»: «إن الإمارات تقوم بدور محوري بين الجانبين (روسيا وأوكرانيا)، وكان لهذا الدور أثر كبير في التخفيف من الكوارث الإنسانية الناجمة عن هذه الحرب».
ويستطرد: «الإمارات مرشحة لاستضافة جلسات حوار مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة».
وبناءً على ذلك، فإن «أية مبادرة سلام ترعاها الإمارات ستحظى بترحيب روسي وأوكراني ودولي؛ نظراً لما تتمتع به من مكانة وثقة متزايدة لدى جميع الأطراف المعنية».
بدوره، يشير الأستاذ في كلية موسكو العليا، الدكتور رامي القليوبي لـ«البيان» إلى أن دولة الإمارات تؤدي دوراً مهماً، لا سيما في المجال الإنساني، حيث تشرف وتتوسط في إجراء عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وتتبنى موقفاً محايداً.