سنة أولى تعليم... دموع البداية تتداوى من البيت

 تهيئة الطفل للمدرسة تبدأ من الأسرة
تهيئة الطفل للمدرسة تبدأ من الأسرة
ياسمين مصطفى
ياسمين مصطفى
وداد أبو الفتوح
وداد أبو الفتوح
 ميساء العبدالله
ميساء العبدالله
رحاب الشافعي
رحاب الشافعي
محمد فتح الباب
محمد فتح الباب

تربويون: التهيئة المسبقة والدعم النفسي عاملان حاسمان لتجاوز الدموع

مع بداية العام الدراسي، تتكرر أمام بوابات المدارس ورياض الأطفال مشاهد مألوفة.. أطفال صغار يمسكون بأيدي أمهاتهم بقوة، دموعهم تنساب على وجوههم، وصوت بكائهم يختلط بتوجيهات المعلمين ومحاولات الأهالي للتهدئة، وهذه المشاهد ليست عابرة، بل تعكس عمق التجربة الأولى للطفل وهو يخطو إلى عالم التعليم، سواء في رياض الأطفال أو الصف الأول الابتدائي.. فهي لحظة انتقالية تحمل رهبة الانفصال عن الأهل، وصعوبة التأقلم مع بيئة جديدة تفرض قوانينها ونظامها، وتختبر للمرة الأولى استقلالية الطفل وقدرته على مواجهة المجهول.

ويرى تربويون أن هذه المرحلة ليست مجرد بداية تعليمية، بل تأسيس لموقف الطفل من المدرسة لسنوات مقبلة.

فالتجربة الأولى يمكن أن تترك أثراً إيجابياً يدفعه إلى حب التعلم، أو سلبياً يولّد نفوراً يصعب تجاوزه، وبينما يراها البعض أمراً طبيعياً سينتهي مع الوقت، يؤكد مختصون أن التهيئة المسبقة والدعم النفسي والتربوي يشكلان عاملين حاسمين في تجاوز «دموع البداية».

حديث متكرر

وتقول التربوية ياسمين عبدالحميد مصطفى إن تهيئة الطفل للمدرسة تبدأ من البيت قبل أسابيع، وليس في صباح أول يوم فقط، موضحة أن الأطفال يحتاجون إلى الحديث المتكرر عن تفاصيل المدرسة، بدءاً من شكل الصف والمعلم وحتى الأنشطة اليومية، حتى لا يدخل الطفل مكاناً مجهولاً يثير خوفه.

فالتهيئة اللفظية والمعنوية تساعد الطفل على بناء صورة ذهنية إيجابية تخفف من قلقه عند مواجهة الواقع.

وأشارت إلى أن الالتزام بروتين منتظم في البيت قبل المدرسة يُعتبر خطوة أساسية، حيث يجب على الأسرة تدريب الطفل على النوم المبكر والاستيقاظ في مواعيد محددة، وتعويده تناول الإفطار بمفرده، وارتداء ملابسه دون مساعدة كاملة.

وهذه الممارسات البسيطة، كما تقول، تمنح الطفل إحساساً بالاستقلالية، فيدخل المدرسة وهو أكثر استعداداً لمواجهة التغير الجديد.

وأضافت: إشراك الطفل في اختيار أدواته وكتبه وحقيبته يجعله شريكاً في الرحلة بدلاً من أن يكون متلقياً فقط. هذه التفاصيل، تخلق رابطاً عاطفياً مع المدرسة، وتجعل الذهاب إليها حدثاً مُنتظراً لا مُخيفاً.

وشددت على أن الأسرة يجب أن تدعم طفلها حتى بعد اليوم الأول، عبر التركيز على المواقف الإيجابية وتشجيعه بدلاً من تضخيم لحظات البكاء.

صمام الأمان

من جانبها، أوضحت التربوية الدكتورة رحاب الشافعي، أن شخصية المعلم تمثل الضمانة الأولى لتجربة آمنة للأطفال في يومهم الأول، وقالت إن المعلمة تلعب دور الأم البديلة حتى يتخطى الطفل مرحلة الانفصال عن الأم، موضحة أن بكاء الأطفال لا ينبغي أن يُقابل بالصبر فقط، بل بالاحتواء النفسي الذي يمنحه المعلم عبر ابتسامة، لمسة حانية، أو لعبة صغيرة تشتت الانتباه عن مشاعر القلق.

وأضافت إن المعلم هو الذي يحوّل لحظة الرفض إلى تجربة ممتعة، من خلال توظيف أدوات تربوية مبتكرة.

كما شددت على أن دور المعلم لا يقتصر على الجانب الأكاديمي، بل يتعداه إلى أن يكون جسراً نفسياً واجتماعياً يربط الطفل ببيئة جديدة تماماً.

وإذا شعر الطفل بالأمان مع المعلمة، فإنه سرعان ما يتوقف عن البكاء ويبدأ استكشاف محيطه بفضول وثقة.

واعتبر التربوي الدكتور محمد فتح الباب، أن المدرسة تتحمل مسؤولية مشتركة مع الأسرة في عبور هذه المرحلة بسلاسة، موضحا أن بعض الأهالي يظنون أن بكاء الطفل مسؤوليتهم وحدهم، لكن المدرسة مطالبة بتجهيز بيئة داعمة تُشعر الطفل بالراحة.

ويشمل ذلك قاعات دراسية جذابة، أنشطة تمهيدية، وزوايا مخصصة للعب والقراءة تساعد الطفل على الاندماج.

وأضاف إن تنظيم لقاءات تعريفية مع الأهالي قبل بداية العام الدراسي بحضور أبنائهم خطوة ضرورية لشرح تفاصيل الصف الأول أو الروضة، والإجابة عن تساؤلاتهم.

فكلما كان الأهل أكثر وعياً بطبيعة التجربة، كانوا أكثر هدوءاً أمام أبنائهم، وهو ما ينعكس مباشرة على ثقة الطفل، مؤكداً أن الأطفال يلتقطون مشاعر التوتر من ذويهم بسرعة، لذا فإن طمأنة الأهل جزء من طمأنة الأبناء.

وأشار أيضاً إلى أن نجاح هذه الشراكة ينعكس على مسار الطفل لاحقاً، فالتجربة الأولى إذا كانت إيجابية تسهّل الاندماج وتبني صورة محببة عن المدرسة، بينما غياب التنسيق قد يؤدي إلى استمرار البكاء والرفض لأسابيع، وهو ما يؤثر في التحصيل الدراسي لاحقاً.

سر النجاح

ومن جانبها قالت التربوية وداد أبو الفتوح إن التدرج في إدخال الأطفال إلى عالم التعليم هو سر النجاح في الروضة والصف الأول.

وقالت إن الانتقال من اللعب الحر في البيت إلى الالتزام الصارم بالمقاعد والكتب يُمثل صدمة كبيرة، تجعل الطفل يشعر بأن المدرسة مكان غريب عليه بدلاً من أن تكون بيئة تعلم ممتعة.

وأكدت أن البداية يجب أن تقوم على أنشطة خفيفة تعتمد على الرسم، والموسيقى، والحركة، قبل إدخال المناهج الأكاديمية الثقيلة، وهذا الأسلوب، برأيها، يربط التعليم بالمرح، ويمنح الطفل فرصة للتكيف بسلاسة.

ومع مرور الوقت، يمكن زيادة تدريجية في المفاهيم الأكاديمية دون أن يشعر الطفل بضغط مفاجئ.

ولفتت إلى أن الصورة الأولى عن المدرسة تظل عالقة في ذهن الطفل لسنوات، وإذا ارتبطت بالضغط والرهبة، يصعب تعديلها لاحقاً، لذلك فإن التدرج ليس رفاهية، بل استراتيجية تربوية لضمان نجاح البداية.

قلق الانفصال

أوضحت الأخصائية النفسية والتربوية الدكتورة ميساء العبدالله أن بكاء الأطفال في الأيام الأولى يُعد استجابة طبيعية لما يُعرف بـ«قلق الانفصال»، وهي مرحلة يمر بها معظم الأطفال عند الانتقال من البيئة المألوفة إلى بيئة جديدة.

وأكدت أن هذا القلق لا يجب أن يُفهم كضعف، بل كحالة طبيعية من النمو النفسي، تحتاج إلى تعامل حكيم.

وحذّرت من محاولات إجبار الطفل على التوقف عن البكاء أو السخرية منه، لأن هذه الأساليب تعمّق مشاعر الخوف وتزيد من مقاومة المدرسة.

وقالت إن الحل يكمن في منح الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره بحرية، مع تقديم الدعم النفسي عبر كلمات بسيطة ولمسات حانية.

وأشارت إلى أن طول لحظة الوداع بين الأم والطفل يزيد من حدة القلق، بينما الوداع السريع الواثق يُخفف من التوتر.

كما دعت إلى حلول عملية مثل السماح للطفل بحمل غرض مألوف من البيت، كالدمية الصغيرة أو منديل برائحة أمه، لتشكيل جسر عاطفي بين البيئتين.

وأكدت أن وجود مرشدين نفسيين في المدارس، وخاصة في الصفوف الأولى، يمثل عنصراً مهماً لرصد الحالات التي تستمر بالرفض لفترات طويلة، ولتقديم تدخل مبكر يحول دون تحول القلق الطبيعي إلى أزمة نفسية تؤثر في الأداء الدراسي.

وقالت «يبقى الدخول إلى رياض الأطفال أو الصف الأول الابتدائي تجربة مفصلية في حياة الطفل والأسرة معاً، تختبر قدراتهم على التهيئة والتكيف.

وبينما قد تبدو الدموع مشهداً طبيعياً، إلا أن إدارة هذه المرحلة بشكل صحيح تُحدد ملامح علاقة الطفل بالمدرسة لسنوات مقبلة، فالتعاون بين البيت والمدرسة، واحتواء المعلم، والتدرج في تقديم التعليم، إلى جانب الدعم النفسي، كلها مفاتيح تجعل من سنة أولى تعليم «بداية مبهجة لا بداية دامعة».